وذكر ابنُ عطية (٣/ ٣١٢) أنّ المهدوي حكى عن فرقتين قولين آخرين: الأول: أنّ {أجلا} ما عرف الناس من آجال الأهِلَّة والسنين والكوائن، و {أجل مسمى} قيام الساعة. الثاني: أنّ {أجلا} ما عرفناه من أنّه لا نبي بعد محمد - صلى الله عليه وسلم -، و {أجل مسمى} الآخرة. ورجَّح ابنُ جرير (٩/ ١٥٤) القول الأول الذي قاله ابن عباس، وقتادة، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، والسدي، مستندًا إلى ظاهر الآية، والنظائر، فقال: «لأنّه تعالى نبَّه خلقه على موضع حجته عليهم من أنفسهم، فقال لهم: أيها الناس، إنّ الذي يعدل به كفاركم الآلهة والأنداد هو الذي خلقكم فابتدأكم وأنشأكم من طين، فجعلكم صورًا أجسامًا أحياء بعد إذ كنتم طينًا جمادًا، ثم قضى آجال حياتكم لفنائكم ومماتكم، ليعيدكم ترابًا وطينًا كالذي كنتم قبل أن ينشئكم ويخلقكم. {وأجل مسمى عنده} لإعادتكم أحياءً وأجسامًا كالذي كنتم قبل مماتكم. وذلك نظير قوله: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون} [البقرة: ٢٨]». ووجَّهه ابنُ كثير (٦/ ٩) بقوله: «وكأنّه مأخوذ من قوله تعالى بعد هذا: {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم} [الأنعام: ٦٠]». وعلَّق ابنُ عطية (٣/ ٣١٢) بعد ذكره لهذه الأقوال بقوله: «وينبغي أن تُتَأمَّل لفظة {قَضى} في هذه الآية؛ فإنها تحتمل معنيين، فإن جُعلت بمعنى: قدَّر وكتب ورجعت إلى سابق علمه وقدره، فيقول: إن ذلك ولا بد قبل خلقه آدم من طين، وتخرج {ثم} من معهودها في ترتيب زمني وقوع القصتين، ويبقى لها ترتيب زمني الإخبار عنه، كأنه قال: أخبركم أنه خلقكم من طين، ثم أخبركم أنه قضى أجلًا. وإن جعلت {قَضى} بمعنى: أوجد وأظهر، ويرجع ذلك إلى صفة فعل، فيصح أن يكون خلق آدم من طين قبل إظهار هذا الأجل وإبدائه، وتكون {ثم} على بابها في ترتيب زَمَنَي وقوع القضيتين».