والبهائم والخلق، فجعَل يسأل أباه، فيقول: ما هذا؟ فيُخبره عن البعير أنّه بعير، وعن البقرة أنّها بقرة، وعن الفرَس أنّها فرس، وعن الشاة أنّها شاة، فقال: ما لهؤلاء الخلق بُدٌّ مِن أن يكون لهم رَبٌّ. وكان خروجُه حينَ خرج من السَّرَب بعد غروب الشمس، فرفع رأسه إلى السماء، فإذا هو بالكوكب، وهو المشتري، فقال: هذا ربي. فلم يلبَثْ أن غاب، قال: لا أُحبُّ ربًّا يغيب. =
٢٥٣٤٩ - قال عبد الله بن عباس: وخرج في آخر الشهر، فلذلك لم يرَ القمر قبلَ الكوكب، فلمّا كان آخر الليل رأى القمر، {فلما رأى القمر بازغا} قد اطَّلع قال: {هذا ربي فلما أفل} يقول: غاب، قال:{لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين}. فلمّا أصبح رأى الشمس بازغة، قال:{هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت}: فلمّا غابتْ {قال يا قوم إني بريء مما تشركون}. قال الله له:{أسلم قال أسلمت لرب العالمين}[البقرة: ١٣١]. قال: فجعل إبراهيم يدعُو قومه، وينذرهم، وكان أبوه يصنع الأصنام فيعطِيها ولدَه فيبيعونها، وكان يُعطِيه فينادِي: من يشتري ما يضرُّه ولا ينفعُه؟ فيرجِعُ إخوتُه وقد باعُوا أصنامهم، ويرجعُ إبراهيم بأصنامه كما هي، ثم دعا أباه، فقال:{يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا}؟! [مريم: ٤٢]، ثم رجع إبراهيم إلى بيت الآلهة، فإذا هُنَّ في بَهوٍ عظيم، مُسْتَقْبِلٌ بابَ البهو صنمٌ عظيم، إلى جنبِه أصغر منه، بعضُها إلى جنب بعض، كل صنم يليه أصغر منه، حتى بلَغوا باب البَهو، وإذا هم قد جعلوا طعامًا بين يدي الآلهة، وقالوا: إذا كان حينُ نَرجِعُ رجعْنا، وقد برِحَتِ الآلهة من طعامنا فأكَلْنا. فلمّا نظر إليهم إبراهيم وإلى ما بين أيديهم من الطعام، قال: ألا تأكلون! فلمّا لم تُجِبْه قال: {ما لكم لا تنطقون}[الصافات: ٩٢]. ثم إنّ إبراهيم أتى قومَه، فدَعاهم، فجعل يدعُو قومَه، وينذرُهم، فحبَسُوه في بيت، وجَمَعوا له الحطب، حتى إنّ المرأة لَتمرَضُ فتقول: لَئِن عافاني الله لأجمعنَّ لإبراهيم حطبًا. فلما جمعُوا له وأكثروا من الحطب حتى إن كان الطير ليَمُرُّ بها فيحترِقُ مِن شدة وهجِها وحرِّها، فعَمَدوا إليه، فرفَعوه إلى رأس البنيان، فرفَع إبراهيم رأسه إلى السماء، فقالت السماء والأرض والجبال والملائكة: ربَّنا، إبراهيم يُحرَقُ فيك! قال: أنا أعلمُ به، فإن دعاكم فأغِيثُوه. وقال إبراهيم حين رفع رأسه إلى السماء: اللَّهُمَّ، أنت الواحد في السماء، وأنا الواحد في الأرض، ليس أحدٌ يعبُدُك غيري، حسبيَ الله ونِعْمَ الوكيل. فقذَفوه في النار، فناداها، فقال:{يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم}[الأنبياء: ٦٩]. وكان جبريل هو الذي ناداها، فقال عبد الله بن