للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عليمًا. كتَب: عليمًا حكيمًا. وإذا قال: عليمًا حكيمًا. كتب: سميعًا عليمًا. فشكَّ وكفَر، وقال: إن كان محمدٌ يُوحى إليه فقد أُوحِي إلَيَّ (١). (٦/ ١٣١)

٢٥٥٥٢ - عن أبي خلف الأعمى -من طريق معان بن رفاعة- قال: كان ابن أبي سرح يكتبُ للنبي - صلى الله عليه وسلم - الوحي، فأتى أهل مكة، فقالوا: يا ابن أبي سرح، كيف كتبتَ لابن أبي كَبْشَة القرآن؟ قال: كنتُ أكتُبُ كيف شئتُ. فأنزل الله: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا} (٢). (٦/ ١٣٠)

٢٥٥٥٣ - قال مقاتل بن سليمان: {ومن أظلم} هذه الآية مدنية، فلا أحد {أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء}، نزلت في مسيلمة بن حبيب الكذاب الحنفي، حيثُ زعم أنّ الله أوحى إليه النبوة، وكان مسيلمة أرسل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - رسولين، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهما: «أتشهدان أنّ مُسَيْلِمة نبي؟». قال: نعم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لولا أنّ الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما». ثم قال: {ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله} فلا أحد أيضًا أظلم منه، نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي من بني عامر بن لؤي، وكان أخا عثمان بن عفان من الرضاعة، كان يتكلم بالإسلام، وكتب للنبي - صلى الله عليه وسلم - يومًا سورة النساء، فإذا أملى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -: غفورًا رحيمًا. كتب: عليمًا حكيمًا. وإذا أملى عليه: سميعًا بصيرًا. كتب: سميعًا عليمًا. فقال لقوم من المنافقين: كتبت غير الذي أملى عَلَيَّ، وهو ينظر إليه، فلم يُغَيِّره. فشكَّ عبد الله بن سعد في إيمانه، فلحق بمكة كافرًا، فقال لهم: لَئِن كان محمدٌ صادقًا فيما يقول لقد أُنزِل علَيَّ كما أُنزِل عليه، ولئن كان كاذبًا لقد قلت كما قال. وإنما شكَّ لسكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ينظر إليه فلم يُغَيِّر ذلك، وذلك أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أُمِّيًّا لا يكتب (٣). (ز)

٢٥٥٥٤ - عن عبد الملك ابن جُرَيج، في قوله: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء} قال: نزَلت في مُسيلِمةَ الكذّاب ونحوه مِمَّن دعا إلى مثلِ ما دعا إليه، {ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله} قال: نزَلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح (٤) [٢٣٤٥]. (٦/ ١٣١)


[٢٣٤٥] أفادت الآثارُ اختلاف المفسرين فيمن نزل قوله تعالى: {ومَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا أوْ قالَ أُوحِيَ إلَيَّ ولَمْ يُوحَ إلَيْهِ شَيْءٌ ومَن قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أنْزَلَ اللَّهُ} على أقوال: الأول: أنها نزلت في عبدالله بن سعد بن أبي سرح، ومسيلمة. الثاني: أنها نزلت في عبدالله بن سعد خاصة. الثالث: أنّ قائل: {أُوحِيَ إلَيَّ ولَمْ يُوحَ إلَيْهِ شَيْءٌ} مسيلمة الكذاب. وهو قول قتادة.
وقد رجَّح ابنُ جرير (٩/ ٤٠٧ - ٤٠٨) العمومَ، وأنّ كُلَّ من ذكر داخل في معنى الآية، مستندًا إلى دلالة الإجماعِ، والتاريخِ، فقال: «ولا تَمانُعَ بين علماء الأمة أنّ ابن أبي سَرْحٍ كان ممن قال: إني قد قلت مثل ما قال محمدٌ. وكذلك لا خلاف بين الجميع أن مسيلمة والعَنْسِيَّ الكذابَيْن ادَّعَيا على الله كذبًا أنه بعثهما نبيَّيْن. فإذ كان ذلك كذلك فقد دخل في هذه الآية كل مَن كان مُخْتَلِقًا على الله كذبًا، وقائلًا في ذلك الزمان وفي غيره: أوحى الله إليَّ. وهو في قِيلِه كاذبٌ، لم يوحِ الله إليه شيئًا. فأما التنزيل فإنه جائزٌ أن يكون نزل بسبب بعضهم، وجائزٌ أن يكون نزل بسبب جميعهم، وجائزٌ أن يكون عُنِيَ به جميع المشركين من العرب، إذ كان قائلو ذلك منهم، فلم يُغَيِّروه، فعيَّرهم الله بذلك، وتوعدهم بالعقوبة على تركهم نكير ذلك».
ووافقه ابنُ عطية (٣/ ٤١٩ - ٤٢٠)، فقال: «هذه ألفاظ عامة، فكلُّ من واقع شيئًا مما يدخل تحت هذه الألفاظ فهو داخل في الظلم الذي قد عظمه الله تعالى بقوله: {ومَن أظْلَمُ}».
ثم علَّق على أقوال المفسرين في الآية، فقال: «فخصص المتأولون في هذه الآيات ذِكْرَ قومٍ قد يمكن أن كانوا أسباب نزولها، ثم هي إلى يوم القيامة تتناول من تعرض شيئًا من معانيها كَطُلَيْحَة الأسدي، والمختار بن أبي عبيد، وسواهما».

<<  <  ج: ص:  >  >>