[٢٣٦٧] اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى: {ونُقَلِّبُ أفْئِدَتَهُمْ وأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أوَّلَ مَرَّةٍ} على أقوال: الأول: لو أنا جئناهم بآية كما سألوا ما آمنوا، كما لم يؤمنوا بما قبلها أول مرة؛ لأنّ الله حال بينهم وبين ذلك. وهو قول ابن عباس من طريق العوفي، ومجاهد، وابن زيد. الثاني: ونُقَلِّب أفئدتهم وأبصارهم لو رُدُّوا من الآخرة إلى الدنيا، فلا يؤمنون كما فعلنا بهم ذلك فلم يؤمنوا في الدنيا. قالوا: وذلك نظير قوله: {ولَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: ٢٨]. وهو قول ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة. الثالث: جاءهم محمد - صلى الله عليه وسلم - بالبينات فلم يُؤمنوا به، فقلَّبْنا أبصارهم وأفئدتهم ولو جاءتهم كلُّ آية مثلَ ذلك لم يُؤْمنوا إلا أن يشاء الله. وهو قول عكرمة. ووجَّه ابنُ عطية (٣/ ٤٤١) القول الأول بقوله: «ومعنى الآية: أنّ هؤلاء الذين أقسموا أنهم يؤمنون إن جاءت آية نحن نقلب أفئدتهم وأبصارهم أن لو جاءت فلا يؤمنون بها كما لو يؤمنوا أول مرة بما دُعوا إليه من عبادة الله، فأخبر الله تعالى على هذا التأويل بصورة فِعْلِه بهم». وعلَّق ابنُ القيم (١/ ٣٦٣) على القول الثالث بقوله: «وهذا معنًى حسن، فإنّ كاف التشبيه تتضمن نوعًا من التعليل، كقوله: {وأَحْسِنْ كَما أحْسَنَ اللَّهُ إلَيْكَ} [القصص: ٧٧]، وقوله: {كَما أرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آياتِنا ويُزَكِّيكُمْ ويُعَلِّمُكُمُ الكِتابَ والحِكْمَةَ ويُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فاذْكُرُونِي أذْكُرْكُم} [البقرة: ١٥١ - ١٥٢]، والذي حسَّن اجتماعَ التعليلِ والتشبيهِ الإعلامُ بأنّ الجزاء من جنس العمل في الخير والشر». ورجَّح ابنُ جرير (٩/ ٤٩١) مستندًا إلى لغة العرب أنّ المعنى: ونُقَلِّبُ أفئدتهم فنُزيغُها عن الإيمان، وأبصارهم عن رؤية الحق ومعرفة موضع الحُجَّة، وإن جاءتهم الآية التي سألوها فلا يؤمنوا بالله ورسوله وما جاء به من عند الله، كما لم يؤمنوا بتقليبنا إيّاها قبل مجيئها مَرَّةً قبل ذلك. وذلك هو القول الأوّل، ثم قال: «إنّ الله -جلَّ ثناؤه- أخبر عن هؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم: لئن جاءتهم آيةٌ ليؤمنُنَّ بها، أنه يُقَلِّب أفئدتهم وأبصارهم ويُصَرِّفُها كيف شاء، وأنّ ذلك بيده، يُقِيمُه إذا شاء، ويُزِيغُه إذا أراد، وأن قوله: {كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أوَّلَ مَرَّةٍ} دليلٌ على محذوفٍ من الكلام، وأنّ قوله: {كَما} تشبيهُ ما بعدَه بشيءٍ قبْلَه. وإذا كان ذلك تأويله كانت الهاء من قوله: {كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ} كنايةَ ذِكْرِ التَّقْلِيب». وزاد ابنُ عطية نقلًا عن فرقة أنّ المعنى: «ونقلب أفئدتهم وأبصارهم في النار وفي لهيبها في الآخرة لِما لم يؤمنوا في الدنيا، ثُمَّ استأنف على هذا: {ونَذَرُهُمْ} في الدنيا {فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ}».