للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: فانكحها. قلتُ: فأين قول اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ}؟ ! قال: إنها لم تكن في حجْرك؛ إنما ذلك إذا كانت في حجرك. هذا إسناد قوي ثابت إلى علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- على شرط مسلم، وهو قول غريب جدًّا" (١).

فها هو ابن كثير نص على قوة إسناد هذا القول؛ لكونه دالًّا على حكم من الأحكام، وغرضه من ذلك بيان ثبوت مثل هذا عن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-.

وقد يقال: إن كل ما تقدم من مخالفة الحديث أو الإجماع أو المعنى المشهور مما يرد لمجرده القول، فنحن نرد القول لمجرد مخالفته واحدًا مما تقدم، فما الفائدة في صنيعهم ذلك؟

والجواب: أن الفائدة أننا لا نستطيع نسبة واحد من السلف إلى مخالفة الحديث أو الإجماع أو غير ذلك إلا بعد ثبوت ذلك عنه، وكذا لا نستطيع نسبة حكم شرعي إليه أو أخذه عنه إلا بعد ثبوته عنه، أما لو كان بيان معنى غير متعلق بشيء مما سبق، أو تحقيق مفردة لغوية، أو ذكر لبعض ما يدخل في الآية أو نحو ذلك مما لا يؤثر في قبوله جرح الناقل فلا بأس من التسامح في ذلك ونسبته إلى قائله، وغالب التفسير يعود إلى ذلك.

فمما سبق يتضح أن منهج المحررين من المفسرين اشتراط الثبوت في كل ما سلف ذكره، وأن ذلك كان تطبيقًا منهم لمنهج المحدثين حيال تلك المرويات، وأما ما عدا ما تقدم ذكره فلم يخرجوا فيه أيضًا عن منهج المحدثين، لكون ما عدا ذلك من المرويات له خصائصه وطبيعته التي لا يمكن تغييرها ولا إهمالها، وهذه المرويات رغم علمهم بعدم ثبوتها إلا أنهم اجتهدوا في توقي الخطأ المظنون من قبل عدم ثبوتها فجانبوا روايات الكذّابين، وراعو اتحاد المعنى وتعدد القائل، وراعو كذلك كثيرًا مما سبق ذكره من اختصاص بعض الرواة الضعفاء بالتفسير أو بمفسر معين، كما أنهم راعو كون كثير من مرويات التفسير من نسخ مشتهرة ومعتبرة عند أهل العلم، وأيضًا كون بعض المنقطع من تلك المرويات في حكم المتصل، إلى غير ذلك من القرائن التي سلف الحديث عنها، ثم ما كان خارجًا عما سلف ذكره من ناحية الثبوت وعدمه من تلك المرويات، وتيقن الناظر له من خروجه عن نطاق منهج المحدثين؛ فلا ينبغي التعجل بوصم الأئمة فيه بالخطأ قبل معرفة كيفيات إيرادهم له وعلل هذا الإيراد وأغراضهم منه.


(١) تفسير ابن كثير ١/ ٤٧١ باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>