للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٦٤٥٧ - عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: {ولا تُسْرِفُوا}، قال: قال للسلطان: لا تسرفوا، لا تأخذوا بغير حق. فكانت هذه الآية بين السلطان وبين الناس، يعني: قوله: {كلوا من ثمره إذا أثمر} الآية (١). (ز)

٢٦٤٥٨ - قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الإسراف: ما لا يقدر على رده إلى الصلاح. والفساد: ما يقدر على ردِّه إلى الصلاح (٢) [٢٤٢١]. (ز)


[٢٤٢١] أفادت الآثارُ الاختلاف في الإسراف الذي نهى الله عنه بهذه الآية، ومَن المنهيُّ عنه؟ على ثلاثة أقوال: أولها: أنّ المنهيّ عنه: ربّ النخل والزرع والثمر، والسرف: مجاوزة القدر في العطِيّة إلى ما يجحف برب المال. وهذا قول أبي العالية، وابن جريج، وعطاء، وإياس بن معاوية، والسديّ. ثانيها: أنّ الإسراف: منعُ الصدقةِ والحقِّ الذي أمر الله ربَّ المال بإيتائه أهلَه بقوله: {وآتوا حقه يوم حصاده}. وهذا قول سعيد بن المسيب، ومحمد بن كعب. ثالثها: أنّ المخاطَبَ بهذا السلطان، نُهِي أن يأخذ مِن ربِّ المال فوق الذي ألزم الله ماله. وهذا قول ابن زيد.
ورجَّحَ ابنُ جرير (٩/ ٦١٧ - ٦١٨) أنّ الآية تشمل الأقوال الثلاثة استنادًا إلى اللغة، وعموم اللفظ، فقال: "والصواب مِن القول في ذلك عندي أن يُقال: إنّ الله -تعالى ذِكْرُه- نهى بقوله: {ولا تسرفوا} عن جميع معاني الإسراف، ولم يخصص منها معنًى دون معنى. وإذ كان ذلك كذلك، وكان الإسراف في كلام العرب: الإخطاءَ بإصابة الحق في العطية، إما بتجاوز حدِّه في الزيادة، وإما بتقصير عن حدّه الواجب؛ كان معلومًا أنّ المُفَرِّق مالَه مباراةً، والباذلَهُ للناس حتى أجحفت به عطيته؛ مُسْرِفٌ بتجاوزه حدَّ الله إلى ما ليس له. وكذلك المقصِّر في بذله فيما ألزمه الله بذله فيه، وذلك كمنعه ما ألزمه إيتاءه منه أهلَ سُهْمان الصدقة إذا وجبت فيه، أو منعه من ألزمه الله نفقته من أهله وعياله ما ألزمه منها. وكذلك السلطان في أخذه من رعيته ما لم يأذن الله بأخذه. كل هؤلاء فيما فعلوا من ذلك مسرفون، داخلون في معنى مَن أتى ما نهى الله عنه من الإسراف بقوله: {ولا تسرفوا} في عطيتكم من أموالكم ما يُجْحِف بكم؛ إذ كان ما قبله من الكلام أمرًا من الله بإيتاء الواجب فيه أهلَه يوم حصاده؛ فإنّ الآية قد كانت تنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبب خاصٍّ من الأمور، والحكم بها على العامِّ، بل عامَّة آيِ القرآن كذلك، فكذلك قوله: {ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}. ومن الدليل على صحة ما قلنا من معنى الإسراف أنّه على ما قلنا قولُ الشاعر:
أعْطَوا هُنَيْدَةَ يَحْدُوها ثَمانِيَةٌ ما فِي عَطائِهِمُ مَنٌّ ولا سَرَفُ
يعني بالسرف: الخطأ في العطيّة".
واسْتَدْرَكَ ابنُ كثير (٦/ ١٩٠) على اختيار ابن جرير استنادًا إلى السياق، والنظائر قائلًا: «اختار ابن جرير قول عطاء: إنه نهيٌ عن الإسراف في كل شيء. ولا شك أنّه صحيح، لكن الظاهر -والله أعلم- من سياق الآية حيث قال تعالى: {كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا} أن يكون عائدًا على الأكل، أي: لا تسرفوا في الأكل؛ لما فيه من مضرة العقل والبدن، كقوله تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [الأعراف: ٣١]، وفي صحيح البخاري تعليقًا: «كلوا، واشربوا، والبسوا، وتصدقوا، في غير إسراف ولا مخيلة». وهذا من هذا».
وقال ابنُ عطية (٣/ ٤٧٦ ط: دار الكتب العلمية) مُعَلِّقًا على تلك الأقوال: «مَن قال: إن الآية في الزكاة المفروضة. جعل هذا النهي عن الإسراف؛ إما للناس عن التمنُّع عن أدائها لأنّ ذلك إسراف من الفعل، وقاله سعيد بن المسيب. وإمّا للولاة عن التَشَطُّط على الناس والإذاية لهم، فذلك إسراف من الفعل، وقاله ابن زيد. ومَن جعل الآية على جهة الندب إلى حقوق غير الزكاة تَرَتَّب له النهي عن الإسراف في تلك الحقوق لِما في ذلك من الإجحاف بالمال وإضاعته».

<<  <  ج: ص:  >  >>