ورجَّح ابن جرير (١٠/ ٨٠) مستندًا إلى السياق، ولغة العرب القولَ بأنّ المراد: خلقنا آدم، ثم صورنا آدم. وذلك قريب المعنى من القول الثالث، وبيَّن علَّة ذلك، فقال: «لأنّ الذي يتلو ذلك قوله: {ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ}، ومعلوم أنّ الله -تبارك وتعالى- قد أمر الملائكة بالسجود لآدم قبل أن يُصَوِّر ذُرِّيَّته في بطون أمهاتهم، بل قبل أن يخلق أمهاتهم. و» ثم «في كلام العرب لا تأتي إلا بإيذان انقطاع ما بعدها عما قبلها، وذلك كقول القائل: قمتُ ثم قعدتُ. لا يكون القعود إذا عُطِف به بـ» ثم «على قوله: قمت، إلا بعد القيام، وكذلك ذلك في جميع الكلام. ولو كان العطف في ذلك بالواو جاز أن يكون الذي بعدها قد كان قبل الذي قبلها، وذلك كقول القائل: قمتُ وقعدتُ ... فلِما وصفنا قلنا: إنّ قوله: {ولَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ} لا يصح تأويله إلا على ما ذكرناه». وانتَقَد ابن كثير (٦/ ٢٦٤) مستندًا إلى السياق القول الأول، فقال: «وهذا فيه نظر؛ لأنّه قال بعده: {ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ}. فدلَّ على أن المراد بذلك آدم، وإنّما قيل ذلك بالجمع لأنّه أبو البشر، كما قال الله تعالى لبني إسرائيل الذين كانوا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -: {وظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الغَمامَ وأَنزلْنا عَلَيْكُمُ المَنَّ والسَّلْوى} [البقرة: ٥٧]، والمراد: آباؤهم الذين كانوا في زمن موسى، ولكن لَمّا كان ذلك مِنَّةً على الآباء الذين هم أصلٌ صار كأنه واقع على الأبناء». ووجَّه ابن عطية (٣/ ٥٢٠) قولَ مجاهد والقولَ الذي رجحه ابن جرير بأن تكون {ثم} على بابها في الترتيب والمهلة.