ثم أشار إلى ما جاء في قول الحسن من أنّ الإثم الخمر، وانتَقَدَه (٣/ ٥٥٣ - ٥٥٤) مستندًا إلى زمن النزول، واللغة، ودلالة العقل قائلًا: "وقال بعضُ الناس: هي الخمر. واحتجَّ على ذلك بقول الشاعر: شربت الإثم حتى طار عقلي وهذا قول مردودٌ؛ لأنّ هذه السورة مكية، ولم تعن الشريعة لتحريم الخمر إلا بالمدينة بعد أُحُد؛ لأن جماعة من الصحابة اصطحبوها يوم أحد، وماتوا شهداء وهي في أجوافهم، وأيضًا فبيت الشعر يُقال: إنّه مصنوع مُخْتَلق. وإن صحَّ فهو على حذف مضاف، وكان ظاهر القرآن على هذا القول أنّ تحريم الخمر من قوله تعالى: {«يَسْئَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إثْمٌ كَبِيرٌ} [البقرة: ٢١٩]، وهو في هذه الآية قد حرم، فيأتي من هذا أنّ الخمر إثم، والإثم مُحَرَّم؛ فالخمر محرمة. ولكن لا يصح هذا؛ لأن قوله: {فِيهِما إثْمٌ} لفظ محتمل أن يراد به: أنه يلحق الخمر من فساد العقل والافتراء وقتل النفس وغير ذلك آثام، فكأنه قال: في الخمر هذه الآثام، أي: هي بسببها ومعها، وهذه الأشياء محرمة لا محالة، وخرجت الخمر من التحريم على هذا، ولم يترتب القياس الذي ذهب إليه قائل ما ذكرناه، ويعضد هذا أنّا وجدنا الصحابة يشربون الخمر بعد نزول قوله: {قُلْ فِيهِما إثْمٌ}، وفي بعض الأحاديث: فتَرَكها قومٌ للإثم الذي فيها، وشربها قوم للمنافع. وإنّما حُرِّمت الخمر بظواهر القرآن، ونصوص الأحاديث، وإجماع الأمة». [٢٥٠١] لم يذكر ابنُ جرير (١٠/ ١٦٣) غير قول إسماعيل السدي.