للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

«وأرادوا أن يمكُروا بصالحٍ، فمَشَوا حتى أتوا على سَرَبٍ (١) على طريق صالح، فاختبأ فيه ثمانيةٌ، وقالوا: إذا خرج علينا قتلْناه، وأتينا أهلَه فبيَّتْناهم. فأمر الله الأرضَ فاسْتَوَتْ عليهم، فاجتمعوا، ومشوا إلى الناقة وهي على حوضِها قائمةٌ، فقال الشقيُّ لأحدِهم: ائْتِها فاعْقِرْها. فأتاها، فتعاظَمه ذلك، فأضرَب عن ذلك، فبعَث آخر، فأعظَمه ذلك، فجعَل لا يبعثُ رجلًا إلّا تعاظَمه أمرُها، حتى مشى إليها، وتطاول، فضرَب عُرْقوبَيْها، فوقَعت تركُضُ، وأتى رجلٌ منهم صالحًا، فقال: أدْرِكِ الناقة؛ فقد عُقِرت. فأقبَل، وخرجوا يتلقَّونه، ويَعْتذرون إليه: يا نبيَّ الله، إنّما عقَرها فلانٌ، إنّه لا ذنبَ لنا. قال: فانظُروا هل تُدْرِكون فصيلَها؟ فإن أدْرَكتُموه فعسى الله أن يرفَعَ عنكم العذاب. فخرَجوا يطلُبونه، ولما رأى الفصيلُ أمَّه تضطربُ أتى جبلًا -يُقال له: القارةُ- قصيرًا، فصَعِد، وذهبوا ليأخذوه، فأوحى الله إلى الجبل، فطال في السماء حتى ما تنالُه الطيرُ، ودخل صالحٌ القرية، فلمّا رآه الفصيلُ بكى حتى سالت دموعُه، ثم استقبَل صالحًا، فرغا رغوةً، ثم رغا أُخرى، ثم رغا أُخرى، فقال صالحٌ لقومه: لكلِّ رغوةٍ أجلُ يوم؛ فتَمَتَّعوا في دارِكم ثلاثة أيام، {ذلك وعدٌ غيرُ مكذوبٍ} [هود: ٦٥]. ألا إنّ آية العذاب أنّ اليوم الأول تُصبحُ وجوهُكم مُصْفَرَّةً، واليوم الثاني محمرَّةً، واليوم الثالث مُسْوَدَّةً، فلمّا أصبَحوا إذا وجوهُهم كأنها قد طُلِيت بالخَلُوقِ (٢)؛ صغيرُهم وكبيرهم، ذكرُهم وأنثاهم، فلما أمسَوا صاحوا بأجمعِهم: ألا قد مضى يومٌ مِن الأجل، وحضَركم العذابُ. فلمّا أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوهُهم مُحْمَرَّةٌ، كأنّها خُضِبت بالدماءِ، فصاحوا، وضجُّوا، وبكَوا، وعرفوا أنّه العذاب، فلمّا أمسَوا صاحوا بأجمعِهم: ألا قد مضى يومان من الأجل، وحضَركم العذابُ. فلمّا أصبحوا اليوم الثالث فإذا وجوههم مُسْوَدَّةٌ، كأنها طُلِيتْ بالقار، فصاحوا جميعًا: ألا قد حضَركم العذاب. فتكفَّنوا، وتحنَّطوا، وكان حنوطهم الصَّبرَ والمَغَرَ (٣)، وكانت أكفانهم الأنطاعَ (٤)، ثم ألقوا أنفسَهم بالأرض، فجعلوا يُقَلِّبون أبصارَهم، فينظُرون إلى السماء مرَّة، وإلى الأرض مرَّة، فلا يَدْرون مِن أين يأتيهمُ العذاب؛ مِن فوقهم مِن السماء، أم من تحتِ أرجلِهم


(١) السَّرَبُ: حَفِير تحت الأرض. لسان العرب (سرب).
(٢) الخلوق: طيب مركب يُتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، وتغلب عليه الحمرة والصفرة. النهاية (خلق).
(٣) المَغَرَةُ والمَغْرَة: طين أحمر يُصبغ به. لسان العرب (مغر).
(٤) النِّطْعُ -بالكسر، وبالفتح، وبالتحريك-: بِساط من الأديم. تاج العروس (نطع).

<<  <  ج: ص:  >  >>