للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في ذلك الشهر، فإذا جاء السبتُ لم يَمَسُّوا منها شيئًا، فعمد رجال من سفهاء تلك المدينة، فأخذوا الحيتان ليلة السبت ويوم السبت، فأكثروا منها، وملَّحوا، وباعوا، ولم تنزل بهم عقوبةٌ؛ فاستبشروا، وقالوا: إنّا نرى السبت قد حَلَّ، وذَهَبَتْ حُرْمَتُه، إنّما كان يُعاقَب به آباؤنا. فعملوا بذلك سنين؛ حتى أثْرَوْا منه، وتَزَوَّجوا النساء، واتَّخذوا الأموال، فمشى إليهم طوائف مِن صالحيهم؛ فقالوا: يا قوم، انتهكتم حُرْمَة سبتِكم، وعصيتم ربَّكم، وخالفتم سُنَّةَ نبيكم، فانتهوا عن هذا العمل قبل أن ينزل بكم العذاب. قالوا: فلِم تَعِظُونَنا إذ كنتم علمتم أنّ اللهَ مُهْلِكُنا؟ وإن أطعمتمونا لَتَفْعَلُنَّ كالذي فعلنا، فقد فعلنا منذ سنين، فما زادنا الله به إلا خيرًا. قالوا: ويلكم، لا تَغْتَرُّوا، ولا تأمنوا بأس الله، [ ... ] كأنه قد نزل بكم. قالوا: {لم تعظون قوما الله مهلكهم} الآية (١). (ز)

٢٩٢٦٦ - قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: {وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم} حتى بلغ: {ولعلهم يتقون}: لعلهم يتركون ما هم عليه. قال: كانوا قد بُلُوا بكَفِّ الحيتان عنهم، وكانوا يَسْبِتون (٢) في يوم السبت، ولا يعملون فيه شيئًا، فإذا كان يومُ السبت أتتهم الحيتان شُرَّعًا، وإذا كان غيرُ يوم السبت لم يأتِ حوتٌ واحد. قال: وكانوا قومًا قد قَرِمُوا (٣) بحُبِّ الحيتان، ولَقَوْا منه بلاءً، فأخذ رجلٌ منهم حوتًا، فربط في ذَنَبِه خَيْطًا، ثم ربطه إلى خَشَفَةٍ (٤)، ثم تركه في الماء، حتى إذا غربت الشمسُ من يوم الأحد اجْتَرَّه بالخيط، ثُمَّ شواه، فوجد جارٌ له ريحَ حوت، فقال: يا فلان، إنِّي أجد في بيتك ريحَ نُونٍ! فقال: لا. قال: فتَطَلَّع في تَنُّوره، فإذا هو فيه، فأخبره حينئذ الخبرَ، فقال: إنِّي أرى اللهَ سيُعَذِّبك. قال: فلمّا لم يَرَهُ عَجَّل عذابًا، فلمّا أتى السبتُ الآخَرُ أخذ اثنين، فربطهما، ثم اطَّلع جارٌ له عليه، فلمّا رآه لم يُعجَّلْ عذابًا جعلوا يصيدونه، فاطَّلع أهلُ القرية عليهم، فنهاهم الذين ينهون عن المنكر؛ فكانوا فِرقتين: فرقة تنهاهم


(١) ذكره يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين ٢/ ١٤٨ - ١٤٩ - .
(٢) السَّبْتُ: الراحة والسكون، أو من القَطْع وترك الأعمال، وقِيل: سُمِّيَ بذلك؛ لأن اليهود كانوا ينقطعون فيه عن العمل والتصرف. لسان العرب (سبت).
(٣) قرِم إلى اللحم: اشتهاه، والقَرَم: شدة الشهوة إلى اللحم. لسان العرب (قرم).
(٤) الخشفة، وبالحاء المهملة أيضًا: حجارة تنبت في الأرض نباتًا، أو صخرة رخوة في سهل من الأرض. لسان العرب (حشف)، (خشف).

<<  <  ج: ص:  >  >>