للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أصحابه، فجعلوا يسائلونهم، فإذا صدقوهم ضربوهم، وإذا كذبوهم تركوهم، فمر بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم يفعلون ذلك، فقال: «إن صدقوكم ضربتموهم، وإن كذبوكم تركتموهم؟». ثم دعا واحدًا منهم، فقال: «من يطعم القوم؟». فقال: فلان وفلان. فعَدَّد رجالًا، يطعمهم كل رجل يومًا، قال: «فكم يُنْحَر لهم؟». فقال: عشرة من الجُزُر. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الجَزُورُ بمائة، وهم ما بين الألف والتسعمائة». فلما جاء المشركون صافُّوهم، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد استشار قبل ذلك في قتالهم، فقام أبو بكر يشير عليه، فأجلسه النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم استشارهم، فقام عمر يشير عليه، فأجلسه النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم استشارهم، فقام سعد بن عبادة، فقال: يا نبي الله، والله لكأنك تُعَرِّضُ بنا منذ اليوم لتعلَمَ ما في نفوسنا، والذي نفسي بيده لو ضربت أكبادها حتى تبلغ بَرْكَ الغِمادِ من ذي يَمَنٍ لكنا معك. فوَطَّنَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه على القتال والصبر، وسُرَّ بذلك منهم، فلما التَقَوْا سار في قريش عتبة بن ربيعة، فقال: أيْ قوم، أطيعوني اليوم، ولا تقاتلوا محمدًا وأصحابه، فإنكم إن قاتلتموه لم تزل بينكم إحْنَة ما بقيتم وفساد، لا يزال الرجل منكم ينظر إلى قاتل أخيه، وقاتل ابن عمه، فإن يكن مَلِكًا أكلتم في مُلْك أخيكم، وإن يك نبيًّا فأنتم أسعد الناس به، وإن يك كاذبًا كَفَتْكُمُوه ذُؤْبانُ العرب. فأبوا أن يسمعوا مقالته، وأبوا أن يطيعوا، فقال: أنشدكم الله في هذه الوجوه التي كأنها المصابيح أن تجعلوها أندادًا لهذه الوجوه التي كأنها عيون الحيات. فقال أبو جهل: لقد ملأت سَحَرَك (١) رعبًا. ثم سار في قريش، فقال: إن عتبة بن ربيعة إنما يشير عليكم بهذا؛ لأن ابنه مع محمد، ومحمد ابن عمه، فهو يكره أن يقتل ابنه وابن عمه. فغضب عتبة، وقال: أيْ مُصَفِّرُ اسْتِهِ (٢)، ستعلم أيُّنا أجبن وأَلْأَم وأقتل لقومه اليوم. ثم نزل، ونزل معه أخوه شيبة بن ربيعة، وابنه الوليد بن عتبة، فقال: أبْرِزُوا إلينا أكفاءنا. فقام ناس من الأنصار من بني الخزرج، فأجلسهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقام علي، وحمزة، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، فاختلف كل رجل منهم وقرينه ضربتين، فقتل كل رجل منهم صاحبه، وأعان حمزة عليًّا على قتل صاحبه فقتله، وقطعت رجل عبيدة، فمات بعد ذلك،


(١) السَّحْر: الرئة، انتفخ سَحْرُك أي: رئتك، يقال ذلك للجبان. النهاية (سحر).
(٢) قال ابن الأثير: رماه بالأُبْنَة، وأنه كان يُزَعْفِر استَهُ. وقيل: هي كلمة تقال للمُتَنَعّم المُتْرَفِ الذي لم تُحَنّكُه التجارب والشدائد. وقِيل: أراد يا مُضَرِّط نفسه، من الصَّفِير، وهو الصوت بالفم والشفتين، كأنه قال: يا ضَرّاط. نسبه إلى الجُبن والخَوَر. النهاية (صفر).

<<  <  ج: ص:  >  >>