للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فيمن رجَع، فاشتَدَّ عليهم أبو جهل، وقال: والله لا تُفارِقُنا هذه العصابة حتى نرجع. وسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزل أدنى شيء من بدر، ثم بعث عليَّ بن أبي طالب، والزبير بن العوّام، وبَسْبَسًا الأنصاري، في عصابةٍ من أصحابه، فقال لهم: «اندفِعوا إلى هذه الظِّرابَ (١)». وهي في ناحية بدر، «فإني أرجو أن تجدُوا الخبرَ عندَ القَلِيبِ الذي يلى الظِّرابَ». فانطَلَقوا متوشِّحِي السيوف، فوجدوا وارِدَ قريشٍ عند القَلِيبِ الذي ذكَر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخَذوا غلامين؛ أحدُهما لبني الحجاج بن أسود، والآخرُ لأبي العاصي يقال له: أسلَم، وأفلَت أصحابُهما قِبَلَ قريش، فأقبَلوا بهما حتى أتَوا بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في مُعَرَّسِهِ (٢) دونَ الماء، فجعَلوا يسأَلون العَبدَينِ عن أبي سفيان وأصحابه، لا يرَوْن إلا أنهما لهم، فطَفِقا يُحدِّثانِهم عن قريش ومَن خرج منهم وعن رءُوسهم فيكذِّبونهما، وهم أكرَهُ شيء للذي يُخبرانِهم، وكانوا يطمَعون بأبي سفيان وأصحابِه ويكرَهون قريشًا، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائمًا يصلِّي، يسمعُ ويرى الذي يصنعون بالعبدَيْن، فجعل العبدان إذا أذلَقُوهما (٣) بالضرب يقولان: نعم، هذا أبو سفيان. والرَّكبُ كما قال الله تعالى: {أسفل منكم}. قال الله: {إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا} [الأنفال: ٤٢]. قال: فطفِقوا إذا قال العبدان: هذه قريشٌ قد جاءَتْكم. كذَّبوهما، وإذا قالا: هذا أبو سفيان. ترَكوهما، فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صَنِيعَهم بهما سلَّم من صلاته، وقال: «ماذا أخبَراكم؟». قالوا: أخبرانا أن قريشًا قد جاءت. قال: «فإنهما قد صدَقا، والله إنكم لتضرِبونهما إذا صدَقا، وتترُكونهما إذا كذَبا، خرَجت قريش لتُحرِزَ رَكْبَها، وخافوكم عليهم». ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العبدَين، فسأَلهما، فأخبَراه بقريش، وقالا: لا عِلْمَ لنا بأبي سفيان. فسألهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كم القوم؟». قالا: لا ندري، والله هم كثير. فزعموا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن أطعَمَهم أمس؟». فَسَمَّيا رجلًا من القوم، قال: «كم نَحَر لهم؟». قالا: عشْرَ جزائرَ. قال: «فمن أطعمهم أولَ أمس؟». فسمَّيا رجلًا آخرَ من القوم، قال: «كم نَحَر لهم؟». قالا: تسعًا. فزعَموا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:


(١) الظراب: الجبال الصغار، واحدها: ظَرِب. النهاية (ظرب).
(٢) المُعَرَّسُ: موضع التعريس. والتعريس: نزول المسافر آخر الليل نزلةً للنوم والاستراحة. النهاية (عرس).
(٣) أذْلَقَهُ: أقلقه وأضعفه. القاموس (ذلق).

<<  <  ج: ص:  >  >>