للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأقبل المشركون ومعهم إبليس في صورة سُراقةَ بن جُعْشُمٍ المُدْلِجِيِّ يحدِّثُهم أن بني كِنانَةَ وراءهم قد أقبلوا لنصرهم، وأنه لا غالب لكم اليوم من الناس، وإني جار لكم، لما أخبَرهم من مَسِير بني كِنانَةَ، وأنزل الله: {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس}. هذه الآية والتي بعدها [الأنفال: ٤٧ - ٤٨]، وقال رجال من المشركين لَمّا رأوا قِلَّةَ مَن مع محمد - صلى الله عليه وسلم -: غَرَّ هؤلاء دينُهم. فأنزل الله: {ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم} [الأنفال: ٤٩].

وأقبل المشركون حتى نزلوا وتَعَبَّوْا للقتال، والشيطان معهم لا يُفارقُهم، فسعى حكيمُ بن حِزام إلى عُتْبَةَ بن رَبِيعَة، فقال له: هل لك أن تكون سيدَ قريش ما عِشْتَ؟ قال عتبة: فأفعلُ ماذا؟ قال: تُجِيرُ بينَ الناس (١)، وتَحْمِلُ (٢) دمَ ابن الحضرمي وبما أصاب محمدٌ من تلك العير، فإنهم لا يطلُبون من محمدٍ غيرَ هذه العير ودم هذا الرجل. قال عتبة: نعم، قد فعَلتُ، ونِعِمّا قلتَ ونِعمّا دَعَوتَ إليه، فاسعَ في عشيرتِك فأنا أتحمَّلُ بها. فسعى حكيمٌ في أشراف قريش بذلك يدعوهم إليه، وركِبَ عُتْبَة جملًا له، فسار عليه في صفوف المشركين في أصحابه، فقال: يا قومِ، أطيعوني، فإنكم لا تطلُبون عندهم غير دم ابن الحضرمي وما أصابوا من عِيرِكم تلك، وأنا أتحمَّلُ بوفاءِ ذلك، ودَعُوا هذا الرجل؛ فإن كان كاذبًا ولِيَ قتلَه غيرُكم من العرب، فإنّ فيهم رجالًا لكم فيهم قرابةٌ قَرِيبَةٌ، وإنكم إن تقتلوهم لا يزال الرجل منكم ينظر إلى قاتل أخيه، أو ابنه، أو ابن أخيه، أو ابن عمِّه، فيُوَرِّثُ ذلك فيهم إحَنًا وضَغائِن، وإن كان هذا الرجلُ مَلِكًا كنتم في مُلْكِ أخيكم، وإن كان نَبِيًّا لِمَ تَقتُلوا النبي فتُسَبُّوا به؟! ولن تَخْلُصُوا إليهم حتى يُصِيبوا أعدادَهم، ولا آمَنُ أن تكونَ لهم الدَّبْرَةُ (٣) عليكم. فحسده أبو جهل على مقالته، وأبى الله إلا أن يُنفِذَ أمره، وعَمَد أبو جهل إلى ابن الحَضْرَمِيّ، وهو أخو المقتول، فقال: هذا عتبةُ يُخَذِّلُ بين الناس، وقد تحمَّلَ بدِيَةِ أخيك يزعمُ أنك قابلُها، أفلا تَسْتَحْيُون من ذلك أن تَقْبَلوا الدِّيَة؟! فزعَموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال وهو ينظر إلى عتبة: «إن يكن عند أحد من القوم خيرٌ فهو عند صاحب الجمل الأحمر، وإن يطيعوه يَرشُدوا». فلما حَرَّض أبو جهل


(١) تجير بين الناس: أي: تفصل بينهم. التاج (جور).
(٢) الحَمالَةُ -بالفتح ٠: ما يَتَحَمَّلُهُ الإنسان عن غيره من دِيَة أو غَرامة، مثل أن يقع حرب بين فريقين تُسْفَك فيها الدماء، فيدخل بينهم رجل يتحمل دِياتِ القتلى ليُصْلح ذات البين. والتَّحَمُّل: أن يَحْمِلَها عنهم على نفسه. النهاية (حمل).
(٣) الدَّبْرَة: نقيض الدولة والعاقبة والهزيمة في القتال. القاموس (دبر).

<<  <  ج: ص:  >  >>