وعلَّقَ ابنُ كثير (٧/ ٣٣ بتصرف) عليه بقوله: «يشهد لهذا المعنى أن الله تعالى أرشد المؤمنين إلى هذا في قوله تعالى: {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق} [محمد: ٤]. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إني لم أبعث لأعذب بعذاب الله، إنما بعثت بضرب الرقاب وشَدِّ الوَثاق»». [٢٧٦٠] أفادت الآثار الاختلاف في تأويل قوله تعالى: {فاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْناقِ} على ثلاثة أقوال: أولها: أنّ معناه: فاضربوا الأعناق، و {فوق} صلة زائدة في الكلام. والثاني: أنّ معناه: واضربوا الرؤوس. والثالث: فاضربوا على الأعناق. وذَهَبَ ابنُ جرير (١١/ ٧١) إلى أنّ الآية تحتمل الأقوال الثلاثة؛ لعدم الدليل على تخصيص أحدها، فقال: «الصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أمر المؤمنين، مُعَلِّمَهم كيفية قتل المشركين وضربهم بالسيف: أن يضربوا فوق الأعناق منهم والأيدي والأرجل. وقوله: {فوق الأعناق} محتمل أن يكون مرادًا به: الرؤوس، ومحتمل أن يكون مرادًا به: من فوق جلدة الأعناق، فيكون معناه: على الأعناق. وإذا احتمل ذلك، صح قول من قال: معناه: الأعناق. وإذا كان الأمر محتملًا ما ذكرنا من التأويل، لم يكن لنا أن نوجِّهه إلى بعض معانيه دون بعض، إلا بحجة يجب التسليم لها، ولا حجة تدلّ على خصوصه، فالواجب أن يقال: إن الله أمر بضرب رؤوس المشركين وأعناقهم وأيديهم وأرجلهم، أصحابَ نبيه - صلى الله عليه وسلم - الذين شهدوا معه بدرًا». وزاد ابنُ عطية (٤/ ١٥٠ - ١٥١) قولين آخرين، فقال: «ويحتمل عندي أن يريد بقوله: {فوق الأعناق} وصف أبلغ ضربات العنق وأحكمها، وهي الضربة التي تكون فوق عظم العنق ودون عظم الرأس في المفصل، وينظر إلى هذا المعنى قول دُريد بن الصِّمَّة الجُشَمَيّ لابن الدُّغُنَّة السُّلَمي، حين قال له: خذ سيفي، وارفع به عن العظم، واخفض عن الدماغ، فهكذا كنت أضرب أعناق الأبطال. ... فيجيء على هذا {فوق الأعناق} متمكنًا. وقال ابن قتيبة: {فوق} في هذه الآية بمعنى (دون)». ثم اسْتَدْرَكَ على قول ابن قتيبة قائلًا: «وهذا خَطَأٌ بيِّنٌ، وإنما دخل عليه اللبس من قوله تعالى: {ما بعوضة فما فوقها} [البقرة: ٢٦] أي: فما دونها. قال القاضي أبو محمد: وليست {فوق} هنا بمعنى: دون، وإنما المراد فما فوقها في القلة والصغر، فأشبه المعنى دون».