ورجَّحَ ابن جرير (١١/ ٨٢) القول الثاني، وهو قول ابن عباس -من طريق عليّ بن أبي طلحة-، وانتَقَدَ الأول؛ لعدم ورود دليل بالنسخ، فقال: «هي محكمة غير منسوخة، لِما قد بَيَّنّا في غير موضع من كتابنا هذا وغيره: أنه لا يجوز أن يحكم لحكم آية بنسخ، وله في غير النسخ وجه، إلا بحجة يجب التسليم لها، من خبر يقطع العذر، أو حجة عقل، ولا حجة من هذين المعنيين تدل على نسخ حكم قول الله - عز وجل -: {ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة}». وإلى ذلك ذَهَبَ ابن كثير (٧/ ٣٩ - ٤٠) أيضًا. وقال ابن عطية (٤/ ١٣٨): «أمر الله - عز وجل - في هذه الآية أن لا يولي المؤمنون أمام الكفار، وهذا الأمر مقيد بالشريطة المنصوصة في مِثْلَيِ المؤمنين، فإذا لقيت فئة من المؤمنين فئة هي ضعف المؤمنة من المشركين فالفرض أن لا يفروا أمامهم، فالفرار هناك كبيرة موبقة بظاهر القرآن، والحديث، وإجماع الأكثر من الأمة، والذي يراعي العدد حسب ما في كتاب الله - عز وجل -، وهذا قول جمهور الأمة. وقالت فرقة -منهم ابن الماجشون في الواضحة-: يُراعى أيضًا الضعف والقوة والعدة، فيجوز على قولهم أن يَفِرّ مائة فارس إذا علموا أن عند المشركين من العدة والنجدة والبسالة ضعف ما عندهم، وأمام أقل أو أكثر بحسب ذلك، وأما على قول الجمهور فلا يحل فرار مائة إلا أمام ما زاد على مائتين».