للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا ترون، إني أخاف الله، والله شديد العقاب. فقال له الحارث: ألا كان هذا القول أمس؟ فلما رأى إبليس أن القوم قد أقبلوا إليهم؛ دَفَع في صدر الحارث فخَرَّ، وانطلق إبليس، وانهزم المشركون، فلما قدموا مكة قالوا: إنما انهزم بالناس سُراقة، ونقض الصفَّ. فبلغ ذلك سُراقة، فقدم عليهم مكة، فقال: بلغني أنكم تزعمون أني انهزمت بالناس، فوالذي يحلف به سراقة، ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم. فجعلوا يُذَكِّرُونه: أما أتَيْتَنا يوم كذا، وقُلْتَ لنا كذا؟! فجعل يحلف، فلما أسلموا عَلِموا أنه الشيطان (١). (ز)

٣١١٠٥ - قال مقاتل بن سليمان: {وإذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أعْمالَهُمْ وقالَ لا غالِبَ لَكُمُ اليَوْمَ مِنَ النّاسِ} وذلك أنه بلغهم أن العِير قد نجت، فأرادوا الرجوع إلى مكة، فأتاهم إبليس في صورة سُراقة بن مالك بن جُعْشُمٍ الكِنانِيِّ من بني مُدْلِج بن الحارث، فقال: لا ترجعوا حتى تستأصلوهم، فإنكم كثير، وعدوكم قليل؛ فتأمن عيرُكم، ويسير ضعيفكم، وإنِّي جارٌ لَكُمْ على بني كِنانة أنَّكم لا تَمُرُّون بِحَيٍّ منهم إلا أمَدَّكم بالخيل والسلاح والرجال. فأطاعوه، ومَضَوْا إلى بدر لِما أراد الله مِن هلاكهم، فلَمّا التَقَوْا نزلت ملائكة ببدر، مدد للمؤمنين، عليهم جبريل - عليه السلام -، ولَمّا رَأى إبليس ذلك نكَص على عَقِبَيْه. يقول: استأخر وراءه (٢). (ز)

٣١١٠٦ - قال محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- في قوله: {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم} فذَكَر استدراج إبليس إياهم، وتشبهه بسُراقة بن مالك بن جُعْشُمٍ حين ذكروا ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب التي كانت بينهم. يقول الله: {فلما تراءت الفئتان}، ونظر عدو الله إلى جنود الله من الملائكة، قد أيَّد الله بهم رسوله والمؤمنين على عدوهم؛ {نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون}، وصدق عدو الله أنَّه رأى ما لا يرون، وقال: {إني أخاف الله والله شديد العقاب}، فأوردهم ثم أسلمهم. قال: فذُكِرَ لي: أنّهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سُراقة بن مالك بن جُعْشُمٍ لا يُنكِرُونه، حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان، كان الذي رآه حين نَكَص الحارثُ بن هشام، أو عمير بن وهب


(١) ذكره يحيى بن سلام -كما في تفسير ابن أبي زمنين ٢/ ١٨١ - ، وأخرجه عبد الرزاق ١/ ٢٦٠ مختصرًا.
(٢) تفسير مقاتل بن سليمان ٢/ ١١٨ - ١١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>