وعلَّق ابنُ جرير (١١/ ٤٨٧) على القول الأول بأنّ المعنى: «{وفيكم} منهم {سمّاعون} يسمعون حديثكم لهم، فيبلِّغونهم ويؤدونه إليهم، عيونٌ لهم عليكم». ووجَّه المعنى على القول الثاني قائلًا: «فعلى هذا التأويل: وفيكم أهل سمع وطاعة منكم، لو صحبوكم أفسدوهم عليكم بتثبيطهم إياهم عن السَّيْر معكم». ووجَّه ابنُ القيم (٢/ ١١) المعنى على القول الثاني قائلًا: «وفيكم أهل سَمْع وطاعة لهم، لو صحبهم هؤلاء المنافقون أفسدوهم عليكم». ورجَّح ابنُ جرير القول الأول مستندًا إلى الأغلب في لغة العرب بقوله: «لأنّ الأغلب من كلام العرب في قولهم: سمّاعٌ، وصْفُ مَن وُصِفَ به أنّه سمّاعٌ للكلام، كما قال الله -جلَّ ثناؤه- في غير موضعٍ من كتابه: {سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ} [المائدة: ٤١، ٤٢]، واصفًا بذلك قومًا بسماع الكذب من الحديث. وأما إذا وصَفوا الرَّجُلَ بسماعِ كلام الرجل وأمْرِه ونهْيِه وقَبوله منه وانتهائه إليه فإنّما يَصِفُه له بأنه له سامعٌ ومطيع، ولا يكاد يقول: هو له سمّاعٌ مطيعٌ». وانتَقَد ابنُ تيمية القول الأول مستندًا إلى دلالة العقل بقوله: «وأمّا مَن ظَنَّ أنّ المراد بقوله: {سَمّاعُونَ لَهُمْ}: أنهم جواسيس لمن غاب، وأخذ حكم الجاسوس من هذه الآية؛ فقد غَلِط، فإنّ ما كان يظهره النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يسمعه المنافقون واليهود لم يكن مما يكتمه حتى يكون نقله جسًّا عليه». وكذا انتَقَدَه ابنُ القيم مستندًا إلى دلالة العقل بقوله: «ولم يكن في المؤمنين جواسيس للمنافقين؛ فإنّ المنافقين كانوا مختلطين بالمؤمنين، ينزلون معهم، ويرحلون، ويُصَلُّون معهم، ويجالسونهم، ولم يكونوا متحيِّزين عنهم، قد أرسلوا فيهم العيون ينقلون إليهم أخبارهم، فإنّ هذا إنّما يفعله مَن انحاز عن طائفة ولم يُخالِطها، وأرصد بينهم عيونًا له، فالقول قول قتادة وابن إسحاق». وانتقده ابنُ كثير أيضًا مستندًا إلى دلالة العقل بقوله: «وهذا لا يبقى له اختصاص بخروجهم معهم، بل هذا عامٌّ في جميع الأحوال». ورجَّح ابنُ كثير (٧/ ٢١٢) مستندًا إلى السياق، وكذا ابنُ القيم (٢/ ١٢)، وقبلهما ابنُ تيمية (٣/ ٣٧٤ - ٣٧٥) القول الثاني.