للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٢٦٣٢ - قال مقاتل بن سليمان: {فَلا تُعْجِبْكَ} يا محمد {أمْوالُهُمْ ولا أوْلادُهُمْ} يعني: المنافقين؛ {إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الحَياةِ الدُّنْيا} بما يلْقَون في جمعها من المشقة، وفيها من المصائب (١). (ز)

٣٢٦٣٣ - عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: {إنمّا يُريدُ الله ليُعذبهُم بها في الحَياة الدُّنيا}، قال: بالمصائب فيهم، هي لهم عذابٌ، وهي للمؤمنين أجرٌ (٢) [٢٩٧٠]. (٧/ ٤٠٤)


[٢٩٧٠] أفادت الآثارُ اختلافَ المفسرين في معنى قوله تعالى: {فَلا تُعْجِبْكَ أمْوالُهُمْ ولا أوْلادُهُمْ} الآية على أقوال: الأول: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة. ففي الآية تقديم وتأخير. وهو قول قتادة، وابن عباس، ومجاهد. الثاني: أنها على نظمها، والمعنى: ليعذبهم بها في الدنيا بالمصائب في الأموال والأولاد. وهو قول ابن زيد. الثالث: أن المعنى: ليعذبهم بأخذ الزكاة من أموالهم والنفقة في سبيل الله. وهو قول الحسن من طريق سليمان البصري.
ورجَّح ابنُ جرير (١١/ ٥٠١) مستندًا إلى دلالة ظاهر الآية القولَ الثالثَ، وعلَّل ذلك قائلًا: «لأنّ ذلك هو الظاهر من التنزيل، فَصَرْفُ تأويله إلى ما دلَّ عليه ظاهرُه أوْلى من صَرْفِه إلى باطنٍ لا دلالة على صحته».
ووافقه ابنُ كثير (٧/ ٢١٦) بقوله: «واختار ابنُ جرير قول الحسن، وهو القول القويُّ الحسن».
وانتقد ابنُ القيم (٢/ ١٥) القول الثالث لدلالة العقل بقوله: «وهذا أيضًا عدول عن المراد بتعذيبهم في الدنيا بها، وذهاب عن مقصود الآية».
وانتقد ابنُ جرير القول الأول لدلالة العقل بقوله: «وإنما وجَّه مَن وجَّهَ ذلك إلى التقديم وهو مؤخَّر؛ لأنّه لم يَعْرِف لتعذيب الله المنافقين بأموالهم وأولادهم في الحياة الدنيا وجْهًا يوجِّهُهُ إليه، وقال: كيف يعذبهم بذلك في الدنيا، وهي لهم فيها سرور؟ وذهب عنه توجيهه إلى أنّه من عظيم العذاب عليه إلزامُه ما أوجب الله عليه فيها من حقوقه وفرائضه؛ إذ كان يُلْزمه ويُؤخَذ منه، وهو به غير طَيِّب النَّفْس، ولا راجٍ به من الله جزاء، ولا مِن الأخْذِ منه حمدًا ولا شُكْرًا على ضجرٍ منه وكُرْه».
وعلَّق ابنُ القيم (٢/ ١٥) على القول الأول بقوله: «وكأنّهم لما أشكل عليهم وجْه تعذيبهم بالأموال والأولاد في الدنيا، وأنّ سرورهم ولذتهم ونعيمهم بذلك؛ فرُّوا إلى التقديم والتأخير».
ورجَّح بأنّ «الصواب -والله أعلم- أن يُقال: تعذيبهم بها هو الأمر المشاهد من تعذيب طلاب الدنيا ومحبيها ومؤثريها على الآخرة: بالحرص على تحصيلها، والتعب العظيم في جمعها، ومقاساة أنواع المشاق في ذلك، فلا تجد أتعب ممن الدنيا أكبر همِّه، وهو حريص بجهده على تحصيلها. والعذاب هنا هو الألم والمشقة والنصب، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «السفر قطعة من العذاب». وقوله: «إنّ الميت لَيُعَذَّب ببكاء أهله عليه». أي: يتألم ويتوجع، لا أنه يعاقَب بأعمالهم، وهكذا من الدنيا كل همِّه أو أكبر همِّه، كما قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره من حديث أنس?: «مَن كانت الآخرةُ همَّه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة. ومَن كانت الدنيا همَّه جعل الله فقره بين عينيه، وفرَّق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له»».
وذَكَر ابنُ عطية (٤/ ٣٣٥) أنّ القول الثاني الذي قاله ابن زيد، وإن كان يستغرق القول الثالث الذي قاله الحسن، فإنّ قول الحسن يتقوّى تخصيصه بأنّ تعذيبهم بإلزام الشريعة أعظم من تعذيبهم بسائر الرزايا، وذلك لاقتران الذِّلَّة والغلبة بأوامر الشريعة لهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>