للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٢٧٠٦ - عن عطاء -من طريق عبد المطلب- {إنما الصدقات للفقراء} الآية، قال: لو وضعتَها في صِنفٍ واحدٍ مِن هذه الأصناف أجْزَأكَ، ولو نظرتَ إلى أهل بيتٍ مِن المسلمين فقراء مُتَعَفِّفين فجَبَرْتَهم بها كان أحَبَّ إلَيَّ (١). (ز)

٣٢٧٠٧ - عن ميمون بن مهران -من طريق جعفر- {إنما الصدقات للفقراء}، قال: إذا جعلتَها في صِنفٍ واحدٍ مِن هؤلاء أجْزَأ عنك (٢). (ز)

٣٢٧٠٨ - عن أبي حنيفة: له قَسْمُها ووَضْعُها في أيِّ الأصناف يشاء (٣). (ز)

٣٢٧٠٩ - قال سفيان الثوري: لو صرف الكُلَّ إلى صِنفٍ واحد من هذه الأصناف أو إلى شخص واحد منهم يجوز، وإنّما سمّى الله تعالى هذه الأصناف الثمانية إعلامًا منه أنّ الصدقة لا تخرج عن هذه الأصناف، لا إيجابًا لقسمها بينهم جميعًا (٤). (ز)

٣٢٧١٠ - قال مالك بن أنس: يَتَحَرّى موضع الحاجة منهم، ويُقَدِّم الأَوْلى فالأَوْلى مِن أهل الخَلَّةِ (٥) والحاجة، فإن رأى الخَلَّةَ في الفقراء في عامٍ أكْثَرَ قَدَّمهم، وإن رآها في عامٍ في صِنفٍ آخَرَ حَوَّلها إليهم (٦) [٢٩٧٤]. (ز)


[٢٩٧٤] اختلف العلماء في هذه الأصناف الثمانية: هل يجب استيعاب الدفع إليها، أو إلى ما أمكن منها؟ على قولين: أحدهما: أنه يجب ذلك. وهو قول الشافعي وجماعة. والثاني: أنه لا يجب استيعابها، بل يجوز الدفع إلى واحد منها، ويعطى جميع الصدقة مع وجود الباقين. وهو قول مالك وجماعة.
وذكر ابنُ جرير (١١/ ٥٣١) أنّ القول الثاني قولُ عامَّةِ أهل العلم.
وعلَّق ابنُ كثير (٧/ ٢١٩) على القول الثاني بقوله: «وعلى هذا فإنما ذكرتُ الأصناف هاهنا لبيان المَصْرِف، لا لوجوب استيعاب الإعطاء».
ورَجَّح ابنُ تيمية (٣/ ٣٩٠ - ٣٩١) مستندًا إلى اللغة، والدلالات العقلية القولَ الثاني، وانتَقَد الأولَ، فقال: "هذا خطأٌ لوجوه: أحدها: أن اللام في هذه إنما هي لتعريف الصدقة المعهودة التي تقدم ذكرها في قوله: {ومنهم من يلمزك في الصدقات} وهذه إذًا صدقات الأموال دون صدقات الأبدان باتفاق المسلمين. ولهذا قال في آية الفدية: {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} [البقرة: ١٩٦]، لم تكن هذه الصدقة داخلة في آية براءة، واتفق الأئمة على أنّ فدية الأذى لا يجب صرفها في جميع الأصناف الثمانية، وكذلك صدقة التطوع لم تدخل في الآية بإجماع المسلمين، وكذلك سائر المعروف فإنه قد ثبت في الصحيح من غير وجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: «كل معروف صدقة». لا يختص بها الأصناف الثمانية باتفاق المسلمين. وهذا جواب مَن يمنع دخول هذه الصدقة في الآية، وهي تَعُمُّ جميع الفقراء والمساكين والغارمين في مشارق الأرض ومغاربها، ولم يقل مسلمٌ أنّه يجب استيعاب جميع هؤلاء، بل غاية ما قيل: إنه يجب إعطاء ثلاثة من كل صنف، وهذا تخصيص اللفظ العام من كل صنف، ثم فيه تعيين فقير دون فقير. وأيضًا لم يُوجِب أحدٌ التسويةَ في آحاد كل صنف، فالقول عند الجمهور في الأصناف عمومًا وتسوية، كالقول في آحاد كل صنف عمومًا وتسوية. الوجه الثاني: أن قوله: {إنما الصدقات} للحصر، و {إنما} يثبت المذكور وينفي ما عداه، والمعنى: ليست الصدقة لغير هؤلاء، بل لهؤلاء، فالمثبت من جنس المنفي، ومعلوم أنّه لم يقصد تبيين الملك، بل قصد تبيين الحل، أي: لا تحل الصدقة لغير هؤلاء، فيكون المعنى: بل تحل لهم، وذلك أنه ذُكِر في معرض الذَّمِّ لِمَن سأله مِن الصدقات وهو لا يستحقها، والمذموم يُذَمُّ على طلب ما لا يحل له، لا على طلب ما يحل له، وإن كان لا يملكه، إذ لو كان كذلك لذم هؤلاء وغيرهم إذا سألوها من الإمام قبل إعطائها، ولو كان الذمُّ عامًّا لم يكن في الحصر ذمٌّ لهؤلاء دون غيرهم، وسياق الآية يقتضي ذمَّهم، والذمُّ الذي اختصوا به سؤال ما لا يحل، فيكون ذلك الذي نفي، ويكون المثبت هذا يحل، وليس من الإحلال للأصناف وآحادهم وجود الاستيعاب والتسوية، كاللام في قوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} [البقرة: ٢٩]، وقوله: {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه} [الجاثية: ١٣]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أنت ومالك لأبيك». وأمثال ذلك مِمّا جاءت به اللام للإباحة. فقول القائل: إنّه قسمها بينهم بواو التشريك ولام التمليك ممنوعٌ لِما ذكرناه. الوجه الثالث: أنّ الله لَمّا قال في الفرائض: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} [النساء: ١١]، وقال: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم} إلى قوله: {ولهن الربع مما تركتم} [النساء: ١٢]، وقال: {وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين} [النساء: ١٧٦] لَمّا كانت اللامُ للتمليك وجب استيعاب الأصناف المذكورين، وإيرادُ كلِّ صنف، والتسوية بينهم، فإذا كان لرجل أربع زوجات، وأربعة بنين أو بنات، أو أخوات، أو إخوة، وجب العموم والتسوية في الأفراد؛ لأنّ كُلًّا منهم استحق بالنسب، وهم مستوون فيه. وهناك لم يكن الأمر فيه كذلك، ولم يجب فيه ذلك. ولا يقال: أفراد الصنف لا يمكن استيعابه؛ لأنه يقال: بل يجب أن يقال في الأفراد ما قيل في الأصناف. فإذا قيل: يجب استيعابها بحسب الإمكان، ويسقط المعجوز عنه. قيل في الأفراد كذلك. وليس الأمر كذلك، لكن يجب تحري العدل بحسب الإمكان، كما ذكرناه".

<<  <  ج: ص:  >  >>