ورجَّح ابنُ جرير (١١/ ٥١٤ - ٥١٥ بتصرف) مستندًا إلى السُّنَّة، والدلالة العقلية، واللغة القولَ الأخير الذي قاله ابن عباس من طريق علي، والحسن، وجابر ابن زيد، والزهري، ومجاهد، وابن زيد، فقال: «وإنما قلنا: إنّ ذلك كذلك، وإن كان الفريقان لم يُعْطَيا إلا بالفقر والحاجة دون الذِّلَّة والمسكنة؛ لإجماع الجميع من أهل العلم أنّ المسكين إنّما يعطى مِن الصدقة المفروضة بالفقر، وأنّ معنى المسكنة عند العرب: الذِّلَّة، كما قال الله -جل ثناؤه-: {وضربت عليهم الذلة والمسكنة} [البقرة: ٦١]، يعني بذلك: الهون والذِّلَّة، لا الفقر. فإذا كان الله -جلَّ ثناؤه- قد صَنَّف مَن قسَم له مِن الصدقة المفروضة قَسْمًا بالفقر فجعلهم صنفين، كان معلومًا أنّ كلَّ صنف منهم غير الآخر، وإذ كان ذلك كذلك كان لا شك أنّ المقسوم له باسم الفقير غيرُ المقسومِ له باسم الفقر والمسكنة، والفقير المعطى ذلك باسم الفقر المطلق هو الذي لا مسكنة فيه، والمعطى باسم المسكنة والفقر هو الجامع إلى فقره المسكنة؛ وهي الذُّلُّ بالطلب والمسألة ... وقد رُوي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنحو الذي قلنا في ذلك خبرٌ ... قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس المسكينُ بالَّذي ترُدُّه اللقمة واللُّقْمتان والتمرة والتمرتان، إنما المسكين المتعفف، اقرءوا إن شئتم: {لا يسألون الناس إلحافا} [البقرة: ٢٧٣]». ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنّما المسكين المُتَعَفِّف». على نحو ما قد جرى به استعمال الناس من تسميتهم أهل الفقر مساكين، لا على تفصيل المسكين مِن الفقير. ومما يُنبِئ عن أنّ ذلك كذلك انتزاعُه - صلى الله عليه وسلم - لقول الله: «اقرءوا إن شئتم: {لا يسألون الناس إلحافا}» وذلك في صفة مَن ابتدأ اللهُ ذِكْرَه ووصفَه بالفقر، فقال: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا}». وبنحوه قال ابنُ عطية (٤/ ٣٤٢ - ٣٤٣).