ثم انتقده ابنُ جرير (١/ ٣٢٨) مستندًا إلى مخالفته المعنى الأعرفَ والأشهرَ للشِّراء، مع دلالةِ السّياقِ على خلافِه، فقال: «وهذا، وإن كان وجهًا من التأويل، فلست له بمختار؛ لأن الله -جل ثناؤه- قال: {فما ربحت تجارتهم}، فدلَّ بذلك على أن معنى قوله: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} معنى الشراء الذي يتعارفه الناس، من استبدال شيء مكان شيء، وأخذ عوض على عوض».علَّق ابن عطية (١/ ١٣١) على قول قتادة بقوله: «كما قال تعالى: {فاسْتَحَبُّوا العَمى عَلى الهُدى} [فصلت: ١٧]». ونقل قولين آخرين: الأول: «الشراء هنا استعارة وتشبيه، لما تركوا الهدى وهو معرض ووقعوا بدله في الضلالة، واختاروها، شُبِّهوا بمن اشتروا». ثم علَّق عليه بقوله: «فكأنهم دفعوا في الضلالة هداهم، إذ كان لهم أخذه». والثاني: «الآية فيمن كان آمن من المنافقين، ثم ارتد في باطنه وعقده». ثم علَّق عليه بقوله: «ويقرب الشراء من الحقيقة على هذا». [٧١] جمع ابنُ كثير (١/ ٢٩٥) بين آثار السلف الواردة هنا بقوله: «وحاصل قول المفسرين: أنّ المنافقين عدلوا عن الهدى إلى الضلال، واعتاضوا عن الهدى بالضلالة، وهو معنى قوله تعالى: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى}، أي: بذلوا الهُدى ثمنًا للضلالة، وسواء في ذلك مَن كان منهم قد حصل له الإيمان ثم رجع عنه إلى الكفر، كما قال تعالى فيهم: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم} [المنافقون: ٣]، أو أنهم استحبوا الضلالة على الهدى، كما يكون حال فريق آخر منهم، فإنهم أنواع وأقسام».