ورجَّح ابنُ جرير (١٢/ ٤٤) مستندًا إلى السياق القول الأول الذي قاله ابن مسعود، وعبيد بن عمير «لأنّ الله ذكر ذلك، ووصف به إبراهيمَ خليلَه - صلى الله عليه وسلم - بعد وصفه إياه بالدعاء والاستغفار لأبيه، فقال: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدوٌّ لله تبرأ منه}، وتَرَك الدعاء والاستغفار له. ثم قال: إنّ إبراهيم لدعّاء لربه، شاكٍ له، حليمٌ عمَّن سبَّه وناله بالمكروه». ثم بَيَّن أنّ أصل الدعاء مِن التأوُّه، وهو التضرُّع والمسألة بالحزن والإشفاق. وبيّن (١٢/ ٤٦) اندراج أقوال المفسرين تحت هذا المعنى وتقارب بعضها من بعض، فقال: «ولأنّ معنى ذلك: توجَّع، وتحزّن، وتضرع. اختلف أهل التأويل فيه الاختلافَ الذي ذكرتُ. فقال مَن قال معناه: الرحمة مِن إبراهيم على وجه الرِّقة على أبيه، والرحمة له، ولغيره من الناس. وقال آخرون: إنما كان ذلك منه لصحة يقينه، وحسن معرفته بعظمة الله، وتواضعه له. وقال آخرون: كان لصحة إيمانه بربِّه. وقال آخرون: كان ذلك منه عند تلاوته تنزيل الله أحد الذي أنزله عليه. وقال آخرون: كان ذلك منه عند ذكر رَبِّه. وكلُّ ذلك عائد إلى ما قلتُ، وتقارب معنى بعض ذلك من بعض؛ لأن الحزين المتضرِّع إلى ربه، الخاشع له بقلبه، ينوبه ذلك عند مسألته ربَّه، ودعائه إياه في حاجاته، وتعتوره هذه الخلال التي وجَّه المفسرون إليها تأويل قول الله: {إن إبراهيم لأوّاه حليمٌ}».