ووافقه ابنُ كثير (١/ ٣٠١)، واستدل بالقرآنِ على أنّ من شأن المنافقين الخوف والفزع، في قوله تعالى: {يحسبون كل صيحة عليهم} [المنافقون: ٤]، وقوله: {ولَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ * لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أوْ مَغاراتٍ أوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إلَيْهِ وهُمْ يَجْمَحُونَ} [التوبة: ٥٦ - ٥٧]. وقريب منهما صنيعُ ابنِ عطية (١/ ١٤٠)، إلا أنّه ذكر أنّ قول الجمهور تفسير نزول الصيب بنزول القرآن، وفسر الظلمات بالعمى عن آياته، وفسر البرق بنور القرآن وحُجَجه، وزاد في تفسير الصواعق أنها تكاليف الشرع التي يكرهونها، ثم عقَّب عليه بقوله: «وكله بيِّنٌ صحيح». ثم ذكر ما رُوِي عن ابن مسعود سالفًا من أنه قال: إن رجلين من المنافقين هربا إلخ، وكذا أنّ المنافقين كانوا يضعون أصابعهم في آذانهم في مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم عقَّب بقوله: «وهذا وِفاقٌ لقول الجمهور».المقام الثاني: في كون هذا المَثَل وسابقه لصنف واحد، أو كل منهما لصنف: فقد رجَّح ابنُ جرير (١/ ٣٥٤ - ٣٥٦) مُسْتَنِدًا إلى لغة العرب أنّهما لصنف واحد، مُسْتَدِلًّا بكون {أو} في الآية بمعنى الواو، واستشهد على ذلك بأبيات من الشعر. وانتقده ابنُ عطية (١/ ١٣٧ - ١٣٨) بقوله: «وقال ابن جرير {أو} بمعنى الواو، وهذه عُجْمة». ورجَّح ابنُ تيمية (١/ ١٦٤ - ١٦٥ بتصرّف) مستندًا إلى لغة العرب، والدّلالات العقليّة كونهما مَثَلَيْن بقوله: «فإنّ المفسرين اختلفوا: هل المثلان مضروبان لهم كلهم، أو هذا المثل لبعضهم؟ على قولين، والثاني هو الصواب». واستدل على ذلك بـ ١) دلالة {أو}، وأنه إنما يثبت بها أحد الأمرين، وانتقد من قال إنها في الآية للتخيير، أو بمعنى الواو. ٢) بالمقابلة بين المَثَلَيْن، وبيان الفروق بينهما، فقد قال تعالى في المثل الأول: {صم بكم عمي}، وقال في المثل الثاني: {يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير} فبيَّن في المثل الثاني أنهم يسمعون ويبصرون {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم}، وفي الأول كانوا يبصرون ثم صاروا {في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي}، وفي الثاني {كلما أضاء لهم} البرق {مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا}، فلهم حالان: حال ضياء، وحال ظلام، والأولون بقوا في الظلمة. فالأول حال مَن كان في ضوء فصار في ظلمة، والثاني حال من لم يستقر لا في ضوء ولا في ظلمة، بل تختلف عليه الأحوال التي تُوجِب مقامه واسترابته. ٣) أنه قد يكون المنافق والكافر تارة مُتَّصِفًا بهذا الوصف، وتارة مُتَّصِفًا بهذا الوصف، فيكون التقسيم في المَثَلَيْن لتنوع الأشخاص، ولتنوع أحوالهم ... وكذلك المنافق يضرب لَه المثل بمن أبصر ثم عمي، أو هو مضطرب يسمع ويبصر ما لا ينتفع به". وبنحوه قال ابن كثير (١/ ٣٠٣، ٣٠٤، ٣٠٦).