ورجَّح ابنُ جرير (١٢/ ٧٣ - ٧٤) مستندًا إلى عدم التنافي بين الآيتين القولَ بالإحكام، دون القول بالنسخ الذي قاله ابن زيد والسدي، فقال: «والصواب مِن القول في ذلك عندي: أنّ الله عنى بها الذين وصفهم بقوله: {وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم} الآية [التوبة: ٩٠]. ثم قال -جلَّ ثناؤه-: ما كان لأهل المدينة الذين تخلفوا عن رسول الله، ولا لمن حولهم من الأعراب الذين قعدوا عن الجهاد معه، أن يتخلفوا خلافه، ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه. وذلك أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ندب في غزوته تلك كلَّ مَن أطاق النهوض معه إلى الشخوص إلا مَن أذِن له، أو أمره بالمقام بعده، فلم يكن لِمَن قدر على الشخوص التَّخَلُّف، فعدَّد -جلَّ ثناؤه- من تخلف منهم، فأظهر نفاق مَن كان تخلفه منهم نفاقًا، وعَذَرَ مَن كان تخلفه كان لعذر، وتاب على مَن كان تخلفه تفريطًا مِن غير شكٍّ ولا ارتياب في أمر الله، إذ تاب مَن خطأ ما كان منه مِن الفعل. فأمّا التخلف عنه في حال استغنائه فلم يكن محظورًا، إذا لم يكن عن كراهته منه - صلى الله عليه وسلم - ذلك، وكذلك حكم المسلمين اليوم إزاء إمامهم، فليس بفرض على جميعهم النهوض معه، إلا في حال حاجته إليهم لما لا بد للإسلام وأهله من حضورهم واجتماعهم، واستنهاضه إيّاهم، فيلزمهم حينئذ طاعته. وإذا كان ذلك معنى الآية لم تكن إحدى الآيتين اللتين ذكرنا ناسخةً للأخرى، إذ لم تكن إحداهما نافيةً حكم الأخرى مِن كل وجوهه، ولا جاء خبر يُوجِب الحُجَّة بأن إحداهما ناسخة للأخرى». وعلَّق ابنُ عطية (٤/ ٤٣٢) بعد ذكره للقولين بقوله: «وهذا كلُّه في الانبعاث إلى غزوِ العَدُوِّ على الدخول في الإسلام، وأمّا إذا ألَمَّ العدوُّ بجهةٍ فمُتَعَيِّنٌ على كُلِّ أحدٍ القيامُ بذَبِّه ومكافحته».