للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٣٩٩٧ - قال مقاتل بن سليمان: {وما كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافَّةً}، وذلك أنّ الله عاب في القرآن مَن تَخَلَّف عن غزاة تبوك، فقالوا: لا يرانا اللهُ أن نتخلف عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في غزاته، ولا في بَعْث سَرِيَّةٍ. فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث سَرِيَّةً رَغِبوا فيها رَغْبَةً في الأجر؛ فأنزل الله - عز وجل -: {وما كانَ المُؤْمِنُونَ} يعني: ما ينبغي لهم {لِيَنْفِرُوا} إلى عدوهم {كافَّةً} يعني: جميعًا (١)، {فَلَوْلا نَفَرَ} يعني: فهلّا نفر {مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِنهُمْ} يعني: من كل عُصْبَةٍ منهم {طائِفَةٌ}، وتُقِيم طائفةٌ مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيتَعَلَّمون ما يُحْدِث اللهُ - عز وجل - على نبيه - صلى الله عليه وسلم - مِن أمرٍ، أو نهيٍ، أو سُنَّة، فإذا رجع هؤلاء الغُيَّب تَعَلَّموا من إخوانهم المقيمين، فذلك قوله: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} يعنى: المقيمين، {ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} يعنى: ولِيُحَذِّروا إخوانهم {إذا رَجَعُوا إلَيْهِمْ} من غزاتهم؛ {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} يعني: لكي يحذروا المعاصي التي عملوا بها قبل النهي (٢). (ز)

٣٣٩٩٨ - عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة}، قال: ليذهبوا كلُّهم، فلولا نفر من كل حيٍّ وقبيلةٍ طائفةٌ، وتخلف طائفةٌ؛ {ليتفقهوا في الدين} لِيَتَفَقَّه المُتَخَلِّفون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدين، ولينذر المتخلفون النافرين إذا رجعوا إليهم {لعلهم يحذرون} (٣) [٣٠٨٥]. (ز)


[٣٠٨٥] اختُلِف في معنى قوله: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} على قولين: الأول: ليتفقهوا في أحكام الدين ومعالم الشرع، وينذروا به قومهم إذا رجعوا إليهم. الثاني: ليتفقهوا فيما يشاهدونه من نصر الله لرسوله وتأييده لدينه ليقوى إيمانهم ويخبروا به قومهم.
ورجَّح ابنُ جرير (١٢/ ٨٤ بتصرف) مستندًا إلى الأغلب في اللغة القولَ الثاني الذي قاله الحسن، فقال: «لأنّ النَّفْرَ إذا كان مُطْلقًا بغير صلة بشيء فالأغلب مِن استعمال العرب إيّاه في الجهاد والغزو، فإذا كان ذلك هو الأغلب من المعاني فيه، وكان -جل ثناؤه- قال: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين}؛ عُلِم أنّ قوله: {ليتفقهوا} إنّما هو شرطٌ للنفر لا لغيره، إذْ كان يليه دون غيره من الكلام».
وانتقد مستندًا إلى الدلالات العقلية القولَ الأولَ، فقال: «فإن قال قائل: وما تنكر أن يكون معناه: ليتفقه المتخلِّفون في الدين؟ قيل: ننكر ذلك لاستحالته. وذلك أنّ نَفْر الطائفة النافرة لو كان سببًا لتفقه المتخلفة وجَبَ أن يكون مقامها معهم سببًا لجهلهم وترك التفقه، وقد علمنا أن مقامهم لو أقاموا ولم ينفروا لم يكن سببًا لمنعهم من التفقه».
وذكر ابنُ عطية (٤/ ٤٣٥) أنّ الأول قول الجمهور، وأنّه قويٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>