وقد رجّح ابنُ جرير (١٢/ ٣١٠) مستندًا إلى دلالة اللغة القول الثاني، فقال: «وأَوْلى القولين في ذلك بالصواب قولُ مَن قال: معناه: أحكم الله آياته من الدخل، والخلل والباطل، ثم فصَّلها بالأمر والنهي. وذلك أنّ إحكام الشيء: إصلاحه وإتقانه، وإحكام آيات القرآن: إحكامها مِن خللٍ يكون فيها، أو باطل يقدر ذو زيغ أن يطعن فيها مِن قِبَله. وأما تفصيل آياته فإنّه تمييز بعضها من بعض بالبيان عمّا فيها من حلال، وحرام، وأمر، ونهي». ثم ذكر ابن جرير تفسير مجاهد قوله: {فصلت} بـ: فُسِّرَت، وعلّق عليه بقوله: «وذلك نحو الذي قلنا فيه من القول». وذكر قول قتادة من طريق سعيد، وعلَّق عليه بقوله: «وهو شبيه المعنى بقول مجاهد». وقال ابنُ عطية (٤/ ٥٣٧ بتصرف): «{وأُحْكِمَتْ} معناه: أتقنت وأُجيدت شبه ما تحكم من الأمور المتقنة الكاملة، وبهذه الصفة كان القرآن في الأزل، ثم فصل بتقطيعه وتبيين أحكامه وأوامره على محمد - صلى الله عليه وسلم - في أزمنة مختلفة، فـ {ثُمَّ} على بابها، وهذه طريقة الإحكام والتفصيل، إذ الإحكام صفة ذاتية، والتفصيل إنما هو بحسب مَن يُفصَّل له، والكتاب بأجمعه محكم ومفصل، والإحكام الذي هو ضد النسخ والتفصيل الذي هو خلاف الإجمال إنما يقالان مع ما ذكرناه باشتراك». ثم ذكر ابن عطية القولين الواردين عن السلف في معنى الآية، وعلّق عليهما بقوله: «وهذا من التخصيص الذي هو صحيح المعنى، ولكن لا يقتضيه اللفظ».