ورجَّح ابنُ جرير (١٢/ ٣٧٢) مستندًا لدلالة العقل القول الأول، وهو قول ابن عباس، وقتادة، ومقاتل بقوله: «والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله ابنُ عباس وقتادة، مِن أنّ الله وصفهم -تعالى ذِكْرُه- بأنّهم لا يستطيعون أن يسمعوا الحق سماع منتفعٍ، ولا يبصرونه إبصار مهتدٍ؛ لاشتغالهم بالكفر الذي كانوا عليه مقيمين عن استعمال جوارحهم في طاعة الله، وقد كانت لهم أسماع وأبصار». وعلَّق على القول الثالث بقوله: «وهذا قول روي عن ابن عباس من وجه كرهت ذِكْرَه لضعف سنده». ونسب ابنُ عطية القول الرابع للفرّاء، وانتقده بقوله: «وهذا قول فيه تحامُل». وذكر ابنُ تيمية (٣/ ٥٣٨) أنّ الاستطاعة على نوعين: الأولى: استطاعة هي مناط الأمر والنهي، وهي المصححة للفعل، ولا يجب أن تُقارِن الفعل. والثانية: استطاعة تُقارِن الفعل، ويجب معها وجود الفعل. وبيَّن أن بعض العلماء يفسر الاستطاعة في هذه الآية بالمعنى الثاني، وأمّا على تفسير السلف والجمهور فالمراد بعدم الاستطاعة: مشقة ذلك عليهم، وصعوبته على نفوسهم، فنفوسهم لا تستطيع إرادته وإن كانوا قادرين على فعله لو أرادوه، وهذه حال مَن صَدَّه هواهُ أو رأيُه الفاسد عن استماع كتب الله المنزلة واتباعها، وقد أخبر أنه لا يستطيع ذلك، وهذه الاستطاعة هي المقارنة للفعل الموجبة له، وأما الأولى فلولا وجودها لم يثبت التكليف".