للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقرًا، وعلى أبصارهم غشاوة (١) [٣٢٠٠]. (ز)


[٣٢٠٠] ذكر ابنُ عطية (٤/ ٥٥٧ - ٥٥٨) أنّ قوله تعالى: {ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وما كانُوا يُبْصِرُونَ} يحتمل عدة احتمالات، فقال: «وقوله: {ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون} يحتمل خمسة أوجه: أحدها: أن يصف هؤلاء الكفار بهذه الصفة، على معنى: أنّ الله ختم عليهم بذلك، فهم لا يسمعون سماعًا ينتفعون به، ولا يبصرون كذلك. والثاني: أن يكون وصَفَهُم بذلك مِن أجل بغضتهم في النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهم لا يستطيعون أن يحملوا أنفسهم على السمع منه والنظر إليه. والثالث: أن يكون وصَفَ بذلك الأصنام والآلهة التي نفى عنها أن تكون أولياء. والرابع: أن يكون التقدير: يضاعف لهم العذاب بما كانوا، بحذف الجارِّ. والخامس: يضاعف لهم مدة استطاعتهم السمع والبصر، وقد أعْلَمَتِ الشريعةُ أنّهم لا يموتون فيها أبدًا؛ فالعذاب إذن متمادٍ أبدًا». وبيَّن ابنُ عطية أنّ {ما} على الأقوال الثلاثة الأولى نافية، وعلى القول الرابع مصدرية، وعلى القول الخامس ظرفية.
ورجَّح ابنُ جرير (١٢/ ٣٧٢) مستندًا لدلالة العقل القول الأول، وهو قول ابن عباس، وقتادة، ومقاتل بقوله: «والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله ابنُ عباس وقتادة، مِن أنّ الله وصفهم -تعالى ذِكْرُه- بأنّهم لا يستطيعون أن يسمعوا الحق سماع منتفعٍ، ولا يبصرونه إبصار مهتدٍ؛ لاشتغالهم بالكفر الذي كانوا عليه مقيمين عن استعمال جوارحهم في طاعة الله، وقد كانت لهم أسماع وأبصار». وعلَّق على القول الثالث بقوله: «وهذا قول روي عن ابن عباس من وجه كرهت ذِكْرَه لضعف سنده».
ونسب ابنُ عطية القول الرابع للفرّاء، وانتقده بقوله: «وهذا قول فيه تحامُل».
وذكر ابنُ تيمية (٣/ ٥٣٨) أنّ الاستطاعة على نوعين: الأولى: استطاعة هي مناط الأمر والنهي، وهي المصححة للفعل، ولا يجب أن تُقارِن الفعل. والثانية: استطاعة تُقارِن الفعل، ويجب معها وجود الفعل. وبيَّن أن بعض العلماء يفسر الاستطاعة في هذه الآية بالمعنى الثاني، وأمّا على تفسير السلف والجمهور فالمراد بعدم الاستطاعة: مشقة ذلك عليهم، وصعوبته على نفوسهم، فنفوسهم لا تستطيع إرادته وإن كانوا قادرين على فعله لو أرادوه، وهذه حال مَن صَدَّه هواهُ أو رأيُه الفاسد عن استماع كتب الله المنزلة واتباعها، وقد أخبر أنه لا يستطيع ذلك، وهذه الاستطاعة هي المقارنة للفعل الموجبة له، وأما الأولى فلولا وجودها لم يثبت التكليف".

<<  <  ج: ص:  >  >>