للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٩٢٢ - وعبد الله بن عباس -من طريق السدي، عن أبي مالك وأبي صالح- {قالُوا هَذا الَّذِي رُزِقْنا مِن قَبْلُ}: أُتُوا بالثمرة في الجنة، فنظروا إليها، فقالوا: هذا الذي رزقنا من قبلُ في الدنيا (١) [١٠٤]. (ز)


[١٠٤] رجَّح ابنُ جرير (١/ ٤١٠ - ٤١٢ بتصرف) مستندًا إلى الدلالات العقلية قول ابن مسعود وابن عباس، وقول عكرمة: أنّ المراد من قوله تعالى: {هذا الذي رزقنا من قبل}، أي: في الدنيا، فقال: «والذي يدل على صحته ظاهر الآية، ويُحَقِّق صحته؛ قولُ القائلين: إنّ معنى ذلك: هذا الذي رُزِقنا من قبلُ في الدنيا، وذلك أنّ الله -جل ثناؤه- قال: {كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا}، فأخبر -جل ثناؤه- أن من قيلِ أهل الجنة كلما رزقوا من ثمر الجنة رزقًا أن يقولوا: هذا الذي رُزِقما من قبل، ولم يُخَصَّص بأن ذلك من قيلهم في بعض ذلك دون بعض، فإذ كان لا شك أن ذلك من قيلهم في أوله، كما هو من قيلهم في أوسطه وما يتلوه؛ فمعلوم أنه مُحال أن يكون من قيلهم لأول رزق رُزِقوه من ثمار الجنة: هذا الذي رُزِقْنا من قبل هذا من ثمار الجنة! وكيف يجوز أن يقولوا لأول رِزق رُزِقُوه من ثمارها ولَمّا يتقدمه عندهم غيره: هذا هو الذي رُزِقْناه من قبل؟ إلا أن ينسبهم ذو عَتَهٍ وضلال إلى قيل الكذب الذي قد طَهَّرهم الله منه، أو يدفع دافع أن يكون ذلك من قيلهم لأول رزق رزقوه منها من ثمارها، فيدفع صحة ما أوجب الله صحته بقوله: {كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا} من غير نصب دلالة على أنه مَعْنِيٌّ به حال من أحوال دون حال».
وذكر ابنُ القيم (١/ ١١٠ - ١١٢ بتصرف) ترجيحَ ابن جرير، ثم انتقده بقوله: «قلت: أصحاب القول الأول يَخُصُّون هذا العامَّ بما عدا الرزق الأول؛ لدلالة العقل والسياق عليه، وليس هذا بِبِدْع من طريقة القرآن، وأنت مضطر إلى تخصيصه، ولا بد بأنواع من التخصيصات، أحدها: أنّ كثيرًا من ثمار الجنة -وهي التي لا نظير لها في الدنيا- لا يُقال فيها ذلك. الثاني: أن كثيرًا من أهلها لم يُرْزَقوا جميع ثمرات الدنيا التي لها نظير في الجنة. الثالث: أنه من المعلوم أنهم لا يستمرون على هذا القول أبد الآباد ... والقرآن العظيم لم يقصد إلى هذا المعنى، ولا هو مما يعتني بهم من نعيمهم ولذتهم، وإنما هو كلام مبين خارج على المعتاد المفهوم من المخاطب. ومعناه: أنه يشبه بعضه بعضًا ... [لا] يعرض له ما يعرض لثمار الدنيا عند تقادم الشجر وكِبرها من نُقْصان حملها، وصِغَر ثمرها، وغير ذلك، بل أوله مثل آخره، وآخره مثل أوله، هو خيار كله، فهذا وجه قولهم، ولا يلزم مخالفة ما نَصَّه الله?، ولا نسبة أهل الجنة إلى الكذب بوجه، والذي يلزمهم من التخصيص يلزمك نظيره وأكثر منه».
وقال ابنُ عطية (١/ ١٥٢): «وقال بعض المتأولين: المعنى: أنهم يرون الثَّمَر فيُمَيِّزون أجناسه حين أشْبَه منظره ما كان في الدنيا، فيقولون: {هذا الَّذِي رُزِقْنا مِن قَبْلُ} في الدنيا». ثم انتقده بقوله: «وقول ابن عباس الذي قبل هذا يَرُدُّ على هذا القول بعض الرد». وقول ابن عباس الذي أورده ابن عطية قبل هذا هو: «ليس في الجنة شيء مما في الدنيا سوى الأسماء، وأما الذوات فمتباينة».

<<  <  ج: ص:  >  >>