للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

لهم، ثم أعلن -قال مجاهد: الإعلان: الصِّياح-، فجعلوا يأخُذونه فيخنقونه حتى يُغشى عليه فيسقط الأرض مغشيًّا عليه، ثم يُفيق، فيقول: اللَّهُمَّ، اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. فيقول الرجل منهم لأبيه: يا أبتِ، ما لهذا الشيخ يصيح كل يوم لا يَفْتُر؟ فيقول: أخبَرَني أبي عن جَدِّي أنه لم يزل على هذا منذ كان. فلمّا دعا على قومه أمره الله أن يصنع الفلك، فصنع السفينة، فعملها في ثلاث سنين، كلما مرَّ عليه مَلأٌ من قومه سخِروا منه، يَعجَبُون مِن نجارته السفينة، فلمّا فرغ منها جعل له ربُّه آية: إذا رأيت التنور قد فار فاجعل في السفينة مِن كل زوجين اثنين. وكان التَّنُّور -فيما بلغنا- في زاوية مِن مسجد الكوفة، فلمّا فار التنور جعل فيها كما أمره الله، قال: يا رب، كيف بالأسد والفيل؟ قال: سأُلقي عليهم الحُمّى، إنها ثقيلة. فحمل أهله وبنيه وبناته وكنائنه، ودعا ابنَه، فلمّا أبى عليه وفرغ مِن كل شيء يُدخله السفينة طبَّق السفينة الأخرى عليهم، ولولا ذلك لم يبق في السفينة شيءٌ إلا هلك؛ لِشِدَّة وقْعِ الماء حين يأتي من السماء، قال الله: {ففتحنا أبواب السماء بماءٍ منهمر} [القمر: ١١]. فكان قَدْرُ كُلِّ قطرةٍ مثلَ ما يجري من فَمِ القِرْبة، فلم يبق على ظهر الأرضِ شيءٌ إلّا هلك يومئذ، إلا ما في السفينة، ولم يدخل الحرم منه شيء (١) [٣٢١٣]. (٨/ ٦٠)


[٣٢١٣] ذكر ابنُ عطية (٤/ ٥٧٧) بعض ما جاء في قصص هذه الآية كما في هذا الأثر وما سبقه، فقال: «ورُوِي في قصص هذه الآية: أنّ نوحًا - عليه السلام - كان يأتيه الحيوان، فيضع يمينه على الذَّكَر، ويساره على الأنثى. ورُوِي: أنّ أول ما أدخل في السفينة الذَّرَّ، وآخر ما أدخل الحمار، فتَمَسَّك الشيطان بذنبه، فزجره نوحٌ - عليه السلام -، فلم يَنبَعِثْ، فقال له: ادخُلْ ولو كان معك الشيطان. قال ابن عباس: زَلَّت هذه الكلمةُ مِن لسانه، فدخل الشيطان حينئذ، وكان في كوثل السفينة، أي: عند مؤخرها، وقيل: كان على ظهرها. وروي: أنّ نوحًا - عليه السلام - آذاه نتن الزبل والعذرة، فأوحى الله إليه: أنِ امسح على ذَنَب الفيل، ففعل، فخرج مِن الفيل -وقيل: من أنفه- خنزير وخنزيرة، فكفيا نوحًا وأهله ذلك الأذى. وهذا يجيء منه أنّ نوع الخنازير لم يكن قبل ذلك. وروي: أنّ الفأر آذى الناس في السفينة بقرض حِبالها وغير ذلك، فأمر الله نوحًا أن يمسح على جبهة الأسد، ففعل، فعطس، فخرج منه هِرٌّ وهِرٌّة، فكفياهم الفأر. وروي أيضًا: أنّ الفأر خرج من أنف الخنزير». ثم علّق قائلًا: «وهذا كله قصص لا يصح إلا لو استند».

<<  <  ج: ص:  >  >>