وقد رجّح ابنُ جرير (١٢/ ٤٣٣) مستندًا إلى دلالة القرآن، والنظائر القولَ الثانيَ، فقال: «وأولى القولين في ذلك بالصواب قولُ مَن قال: تأويلُ ذلك: إنّه ليس مِن أهلك الذين وعدتُك أن أنجيهم؛ لأنّه كان لدينك مخالفًا، وبي كافرًا. وكان ابنَه؛ لأنّ الله -تعالى ذِكْرُه- قد أخبر نبيَّه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أنه ابنه، فقال: {ونادى نوح ابنه}، وغيرُ جائِز أن يُخْبِر أنّه ابنه فيكون بخلاف ما أخبر. وليس في قوله: {إنه ليس من أهلك} دلالة على أنّه ليس بابنه، إذ كان قوله: {ليس من أهلك} محتملًا مِن المعنى ما ذكرنا، ومحتملًا أنّه ليس مِن أهل دينك، ثم يحذف «الدين» فيُقال: إنّه ليس مِن أهلك، كما قيل: {واسأل القرية التي كنا فيها} [يوسف: ٨٢]». وبنحوه قال ابنُ تيمية (٣/ ٥٤١)، وبيَّن أنّ خيانة امرأة نوحٍ له إنّما كانت في الدِّين، وليست في العِرض، فإنها كانت تقول: إنه مجنون. وبنحوهما قال ابنُ كثير (٧/ ٤٤٤) مستندًا إلى أقوال السلف، ودلالة العقل، والسنّة، فقال: «وقال ابن عباس وغيرُ واحد من السَّلَف: ما زَنَتِ امرأة نبيٍّ قطُّ. قال: وقوله: {إنه ليس من أهلك} أي: الذين وعدتك نجاتهم. وقول ابن عباس في هذا هو الحقُّ الذي لا مَحِيد عنه، فإنّ الله سبحانه أغيرُ مِن أن يمكن امرأة نبيٍّ مِن الفاحشة، ولهذا غضب الله على الذين رموا أُمَّ المؤمنين عائشة بنت الصديق زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنكر على المؤمنين الذين تكلموا بهذا وأشاعوه». وبيّن ابنُ عطية (٣/ ٥٧٧ - ٥٧٨ بتصرف) أنّ مَن قال: إنه لم يكن ابنه، عوَّل في ذلك على قوله تعالى: {إنه ليس من أهلك}. ومَن قال: هو ابنه، عوّل على قوله: {إن ابني من أهلي}. وعلى هذا رتّب ابنُ عطية الخلاف في قراءة قوله: {إنه عمل غير صالح}؛ فمَن قال ليس ابنه استقام له على ذلك قراءة: {إنه عملٌ غير صالح} بالتنوين. ومن قال ليس ابنه، وقرأ هذه القراءة بتنوين {عمل} فإنهم خرّجوا ذلك عدة تخريجات، ذكرها ابنُ عطية، فقال: "فمن قرأ مِن هذه الفرقة: {إنه عملٌ غيرُ صالح} جعله وصفًا له بالمصدر على جهة المبالغة، فوصفه بذلك كما قالت الخنساء تصف ناقة ذهب عنها ولدها: ترتع ما غفلت حتى إذا ادَّكَرَتْ فإنما هي إقبال وإدبار أي: ذات إقبال وإدبار. وقالت فرقة: الضمير في قوله: {إنه عمل غير صالح} على قراءة جمهور السبعة على سؤال الذي يتضمنه الكلام وقد فسره آخر الآية «. وعلّق على هذا القول، فقال: «ويقوي هذا التأويل أنّ في مصحف ابن مسعود: (إنَّه عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ أن تَسْأَلَنِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ». ثم قال: «وقالت فرقة: الضميرُ عائِد على رُكُوبِ ولد نوح معهم الذي يتضمنه سؤال نوح، المعنى: أنّ ركوب الكافر مع المؤمنين عمل غير صالح. وقال أبو علي: ويحتمل أن يكون التقدير: أنّ كونك مع الكافرين وتركك الركوب معنا عمل غير صالح». وانتقد مستندًا إلى دلالة الآية قول أبي علي بقوله: «وهذا تأويل لا يَتَّجِه مِن جهة المعنى». ثم علّق على هذه الأقوال بقوله: «وكل هذه الفرق قال: إنّ القول بأن الولد كان لغية وولد فراش خطأ محض، وقالوا: إنّه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنه ما زنت امرأة نبي قط». وقالوا في قوله - عز وجل -: {فخانتاهما}: إنّ الواحدة كانت تقول للناس: هو مجنون، والأخرى كانت تنبه على الأضياف، وأما غير هذا فلا، وهذه مَنازِع ابنِ عباس وحُجَجُه، وهو قوله، وقول الجمهور من الناس".