ووجَّه ابنُ عطية (٥/ ٢٠ بتصرف) القول الأول الذي قاله الضحاك، وقتادة، وخالد بن معدان، وخالد بن مهران، والسدي، ومقاتل، بقوله: «فيجيء قوله: {إلا ما شاءَ رَبُّكَ} أي: لقومٍ ما ... وعلى هذا فيكون قوله: {فَأَمّا الَّذِينَ شَقُوا} عامًّا في الكفرة والعصاة، ويكون الاستثناء من {خالِدِينَ}». ووجَّه ابنُ جرير (١٢/ ٥٨١) القول الثاني الذي قاله أبو سعيد الخدري، وأبو مجلز، فقال: «ووجَّهوا الاستثناء أنّه من قوله: {فأما الذين شقوا في النار} - {إلا ما شاء ربك} لا من الخلود». ورجَّح ابنُ جرير (١٢/ ٥٨٣) القول الأول، وانتقد الثاني، والثالث الذي قاله ابن عباس من طريق المسيب، وابن مسعود، وأبو هريرة، والشعبي مستندًا إلى القرآن، والسنة، والدلالة العقلية، وقول أهل العلم، فقال: «لأنّ الله - عز وجل - أوْعَد أهل الشرك به الخلودَ في النار، وتظاهرت بذلك الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فغير جائزٍ أن يكون استثناءً في أهل الشرك، وأن الأخبار قد تواترت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّ الله يُدخِل قومًا من أهل الإيمان به بذنوبٍ أصابوها النارَ، ثم يخرجهم منها فيدخلهم الجنة، فغير جائزٍ أن يكون ذلك استثناءً في أهل التوحيد قبل دخولها، مع صحة الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما ذكرنا، وأنا إن جعلناه استثناءً في ذلك، كنا قد دخلنا في قول من يقول: لا يدخل الجنةَ فاسقٌ، ولا النارَ مؤمنٌ. وذلك خلاف مذاهب أهل العلم، وما جاءت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -». وعلى القول الثالث فالاستثناء من طول المدة، وهو ما وجَّهه ابنُ عطية بقوله: «فهم -على هذا- يُخَلَّدون حتى يصير أمرهم إلى هذا ... والذي روي ونقل عن ابن مسعود وغيره إنّما هو الدرك الأعلى المختص بعصاة المؤمنين، وهو الذي يسمي جهنم، وسمي الكل به تَجَوُّزًا». ثم انتقده بقوله: «وهذا قول مختل». ونقل (٥/ ٢١) قولًا عن الفراء: أنّ {إلا} في هذه الآية بمعنى: سوى، والاستثناء منقطع، ثم وجَّهه بقوله: «فكأنه قال: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض سوى ما شاء الله زائدًا على ذلك». ثم علَّق بقوله: «ويؤيد هذا التأويل قوله بعد: {عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}». وزاد ابنُ عطية أقوالًا أخرى في معنى الاستثناء: الأول: أنّ ذلك على طريق الاستثناء الذي ندب الشرع إلى استعماله في كل كلام، وعلَّق عليه بقوله: «فهو على نحو قوله: {لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرامَ إنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: ٢٧] استثناء في واجب، وهذا الاستثناء في حكم الشرط، كأنّه قال: إن شاء الله. فليس يحتاج إلى أن يوصف بمتصل ولا بمنقطع». ثم قال: «ويؤيد هذا قوله: {عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}». الثاني: أنّ المعنى: سوى ما أعده لهم من أنواع العذاب مما لا يعرف كالزمهرير ونحوه. الثالث: أنه استثناء من مدة السماوات والأرض، المدة التي فرطت لهم في الحياة الدنيا. الرابع: أنّه استثناء من مدة البرزخ بين الدنيا والآخرة. الخامس: أنّه استثناء من مُدَّة المسافات التي بينهم في دخول النار، إذ دخولهم إنما هو زُمَرًا بعد زُمَر. وذكر ابنُ كثير (٧/ ٤٧٣) ترجيح ابن جرير، ثم علَّق عليه بقوله: «وهذا الذي عليه كثيرٌ من العلماء قديمًا وحديثًا في تفسير هذه الآية الكريمة». ثم قال: «وقد روي في تفسيرها عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وجابر، وأبي سعيد من الصحابة، وعن أبي مجلز، والشعبي، وغيرهما من التابعين، وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وإسحاق بن راهويه وغيرهما من الأئمة أقوال غريبة».