للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٦٤٦٦ - عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- قال: قد أخبر اللهُ بالذي شاء لأهل الجنة، فقال: {عطاء غير مجذوذ}. ولم يُخْبِرْنا بالذي يشاءُ لأهل النار (١) [٣٢٨٦]. (٨/ ١٤٤)


[٣٢٨٦] اختُلِف في معنى الاستثناء في قوله تعالى: {إلا ما شاءَ رَبُّكَ} على أقوال: الأول: أنّ الاستثناء يرجع إلى مدة مَن لَبِث في النار مِن الموحِّدين، ثم أُدخِل الجنة. الثاني: أنّ المعنى: {إلا ما شاءَ رَبُّكَ} مِن الزيادة على قدر مدة دوام السماوات والأرض. وزاد ابنُ جرير (١٢/ ٥٨٦ - ٥٨٧) أقوالًا عن أهل العربية: «فقال بعضهم: في ذلك معنيان: أحدهما: أن تجعله استثناءً يستثنيه ولا يفعله، كقولك: واللهِ، لأضربنَّك إلا أن أرى غير ذلك. وعزمُك على ضربه، قال: فكذلك قال: {خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّمَواتُ والأَرْضُ إلا ما شاءَ رَبُّكَ}، ولا يشاؤه. قال: والقول الآخر: أنّ العرب إذا استثنت شيئًا كثيرًا مع مثله، ومع ما هو أكثر منه؛ كان معنى إلا ومعنى الواو سواءً، فمن ذلك قوله: {خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّمَواتُ والأَرْضُ} سوى ما شاء الله من زيادة الخلود، فيجعل {إلا} مكان» سوى «فيَصْلُح، وكأنه قال: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض سوى ما زادهم من الخلود والأبد ... وقد وصل الاستثناء بقوله: {عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}، فدلَّ على أن الاستثناء لهم بقوله في الخلود غير منقطع عنهم. وقال آخرون منهم بنحو هذا القول، وقالوا: جائزٌ فيه وجهٌ ثالثٌ، وهو أن يكون استثنى من خلودهم في الجنة احتباسهم عنها ما بين الموت والبعث، وهو البرزخ، إلى أن يصيروا إلى الجنة، ثم هو خلود الأبد، يقول: فلم يغيبوا عن الجنة إلا بقدر إقامتهم في البرزخ. وقال آخرون منهم: جائزٌ أن يكون دوام السموات والأرض بمعنى الأبد على ما تعرف العرب وتستعمل وتستثني المشيئة من دوامها؛ لأن أهل الجنة وأهل النار قد كانوا في وقتٍ من أوقات دوام السماوات والأرض في الدنيا لا في الجنة، فكأنه قال: خالدين في الجنة وخالدين في النار دوام السماء والأرض، إلا ما شاء ربك من تعميرهم في الدنيا قبل ذلك».
ثم رجَّح مستندًا إلى الأشهر من لغة العرب القول الأول، وهو قول الضحاك، ومقاتل، وعلَّل ذلك بقوله: «لأنّ الأَشْهَرَ مِن كلام العرب في {إلا} توجيهها إلى معنى الاستثناء، وإخراج معنى ما بعدها مما قبلها، إلا أن يكون معها دلالةٌ تدل على خلاف ذلك، ولا دلالة في الكلام -أعني: في قوله: {إلا ما شاءَ رَبُّكَ} - تدل على أنّ معناها غير معنى الاستثناء المفهوم في الكلام فيوجَّه إليه».
وذكر ابنُ عطية (٥/ ٢٢) أنّ الأقوال المترتبة في استثناء الآية السابقة (١٠٧) تترتب هاهنا إلا تأويل مَن قال: هو استثناء المدة التي تخرب فيها جهنم، فإنه لا يترتب مثله في هذه الآية، وكذا تأويل مَن قال في تلك: إنّ الاستثناء هو من قوله: {فَفِي النّارِ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>