[١٢٠] رَجَّحَ ابنُ جرير (١/ ٤٣٨) بالسياق أن تكون هذه الآية نازلةً في كُفّارِ أحْبارِ أهل الكتاب، والمنافقين منهم، وأن يكون المراد بالعهد ما أخذه الله عليهم في التوراة من العمل بما فيها، واتِّباع محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا بُعِث، والتصديق به، ونقضهم ذلك: هو جحودهم به بعد معرفتهم بحقيقته، وإنكارهم ذلك، وكتمانهم عِلْمَ ذلك الناسَ. ويدخل في أحكامهم كلُّ مَن كان على مِثْلِ ما كانوا عليه من الضَّلال، فقال: «وإنما قلت: إنه عنى بهذه الآيات مَن قلتُ إنه عنى بها؛ لأن الآيات من ابتداء الآيات الخمس والست من سورة البقرة فيهم نزلت إلى تمام قصصهم، وفي الآية التي بعد الخبر عن خلق آدم وبيانه في قوله: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} [البقرة: ٤٠]، وخطابِه إيّاهم -جَلَّ ذكره- بالوفاء في ذلك خاصة دون سائر البشر؛ ما يَدُلُّ على أن قوله: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} مقصودٌ به كفارُهم ومنافقوهم ومَن كان من أشياعهم من مشركي عبدة الأوثان على ضلالهم. غير أنّ الخطاب -وإن كان لمن وصفتُ من الفريقين- فداخل في أحكامهم وفيما أوجب الله لهم من الوعيد والذم والتوبيخ كُلُّ من كان على سبيلهم ومنهاجهم من جميع الخلق، وأصناف الأمم المخاطبين بالأمر والنهي». وحَسَّنَ ابنُ كثير (١/ ٣٢٩ - ٣٣٠) أن يكون عُنِي بهذه الآية جميعُ أهل الشرك والكفر والنفاق، وأنّ المراد بالعهد: هو ما وضعه الله لجميع الكُفّار من الأدلة الدّالَّة على ربوبيته، وما احتج به لرسله من المعجزات. ونقضُهم إياه: تركُهم الإقرارَ بما ثبتت لهم صحتُه، وتكذيبهم الرسل والكتب، مع علمهم أنّ ما أتوا به حقٌّ. ونقل ابن عطية (١/ ١٥٩) في معنى العهد أقوالًا أخرى، فقال: «وقال آخرون: بل نصب الأدلة على وحدانية الله بالسماوات والأرض وسائر الصنعة هو بمنزلة العهد. وقال آخرون: بل هذا العهد هو الذي أخذه الله على عباده بواسطة رسله: أن يوحدوه، وأن لا يعبدوا غيره ... وقال قتادة: هذه الآية هي فيمن كان آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم كفر به فنقض العهد».