عن الهُذَيْلِ، عن مُقاتِل، في قوله:{وأَوْحَيْنا إلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذا وهُمْ لا يَشْعُرُونَ}، قال: لا يشعرون أنّك يوسف. قال: وذلك أنّ يوسف لَمّا استخرج الصّاع مِن وِعاء أخيه بنيامين قطع بالقوم، وتَحَيَّروا، فأحضرهم، وأخذ بنيامين مكان سرقته، ثُمَّ تقدم إلى أمينه. فقال له: أحضِرِ الصاعَ إذا حضروا، وانقره ثلاث نقرات، واستمع طنين كُلَّ نَقْرَةٍ حتى تسكن، ثُمَّ قل في النقرة الأولى كذا، وفي الثانية كذا، وفي الثالثة كذا، وأَوْهِمْهُم أنّك إنّما تخبرني عن شيء تفهمه مِن طنين الصّاع. قال: فأَمَرَ بهم، فجُمِعوا، ثم قال يوسف للذي استخرج الصاع -وهو أمينه-: أحضِرِ الصاعَ الذي سرقوه، وتقدَّم إليه ألّا يكتمَنا مِن أخبارهم شيئًا، فإنّه غضبان عليهم، ويُوشك أن يصدق عنهم. قال: فأحضره والقوم، وقال له الأمين: أيُّها الصاع، إنّ الملِك يأمرك أن تُبَيِّن له أمرَ هؤلاء القوم، ولا تكتمه شيئًا مِن أمرهم، ثُمَّ نقره نقرة شديدة، وأصغى إليه، يسمعه كأنّه يستمع منه شيئًا، فقال: أيُّها الملك، إنّ الصاع يقول لك: إنّهم أخبروك أنّهم لِأُمٍّ واحدة، وإنّهم لِأُمَّهاتٍ شَتّى، ولذلك وقع بينهم ما يقع بين الأولاد العُتاة. قال: قل له: لا يكتمنا مِن أخبارهم شيئًا. ثُمَّ نقره الثانية، وأصغى إليه يسمعه، فلمّا سكن قال: أيُّها الملك، إنّهم أخبروك أنّ لهم أخًا مفقودًا، ولن تَنصَرِم الأيامُ والليالي حتى يأتي ذلك الغلام، فيتبين الناسُ أخبارَهم. قال: مُرْه ألّا يكتمنا مِن أخبارهم شيئًا. قال: فطَنَّ الثالثة، فلمّا سَكَن قال: أيُّها الملِك، إنّه ما دخل على أبيهم غَمٌّ ولا هَمٌّ ولا حَزَنٌ إلا بسببهم وجرائِرِهم. قال: أوْعِزْ إليه ألّا يكتمنا مِن أخبارهم شيئًا. قال: فنَظَر بعضُهم إلى بعض، وخافوا أن يُظْهِر عليهم ما كتموه مِن أمر يوسف - عليه السلام -، فقاموا إليه بجمعهم يُقَبِّلون رأسه وعينيه، ويقولون: بِالذي أشبهك بالنبِيِّين، وفضَّلَك على العالمين، ألا أقَلْتَ العَثْرَةَ، وسَتَرْتَ العَوْرَةَ، وحَفِظْتَنا في أبينا يعقوب. فرَقَّ لهم، وقال: لولا حفاظي لكم في أبيكم لَنَكَّلْتُ بكم، ولَأَلْحَقْتُكم بالسُّرّاق واللُّصُوص، اعزُبُوا عنِّي، فلا حاجة لي فيكم. قال: فلمّا قدموا على أبيهم أخبروه بأخبارهم، قال: فرَدَّهم بالبضاعة المزجاة، وكتب معهم كتابًا إليه، فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، مِن يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله، إلى عزيز مصر، سلامٌ على مَنِ اتَّبع الهُدى، أمّا بعدُ: فإنِّي ما سرقتُ، ولا ولدتُ سارِقًا، ولَكِنّا أهلُ بيتٍ البلاء مُوَكَّل بنا؛ أمّا جَدِّي فأُلْقِي في النار، فجعلها الله عليه بردًا وسلامًا، وأما أبي فأُضْجِع للذَّبح ففداه الله بذِبح عظيم، وأمّا أنا فبُلِيتُ بفقد حبيبي وقُرَّةِ عيني يوسف. قال: فلمّا