وقد رجّح ابنُ جرير (١٣/ ٥٣) مستندًا إلى الدلالة العقلية القولَ الأول، وعلَّل ذلك بقوله: «وذلك أنّ الله - عز وجل - قد أخبر عن الذين اشتروه أنّهم أسَرُّوا شراء يوسف مِن أصحابهم خيفةَ أن يَسْتَشْرِكوهم بادِّعائِهم أنّه بضاعة، ولم يقولوا ذلك إلا رَغْبَةً فيه أن يخلص لهم دونهم، واسترخاصًا لثمنه الذي ابتاعوه به؛ لأنهم ابتاعوه كما قال -جل ثناؤه-: {بثمن بخس}، ولو كان مبتاعوه مِن إخوته فيه من الزاهدين لم يكن لقيلهم لرفقائهم: هو بضاعة، معنًى، ولا كان لشرائهم إيّاه وهم فيه من الزاهدين وجه، إلا أن يكونوا كانوا مغلوبًا على عقولهم؛ لأنّه محال أن يشتري صحيح العقل ما هو فيه زاهد مِن غير إكراه مكره له عليه، ثم يكذب في أمره الناس بأن يقول: هو بضاعة لم أشتره مع زهده فيه، بل هذا القول مِن قول مَن هو بسلعته ضنين لنفاستها عنده، ولما يرجو من نفيس الثمن لها وفضل الربح». ووافقه ابنُ كثير (٨/ ٢٣) مُعَلَّلًا ذلك بدلالة عقلية بقوله: «لأنّ قوله: {وكانوا فيه من الزاهدين} إنّما أراد إخوته، لا أولئك السيارة؛ لأنّ السيارة استبشروا به وأَسَرُّوه بضاعة، ولو كانوا فيه زاهدين لما اشتروه، فيرجح من هذا أنّ الضمير في {وشروه} إنما هو لإخوته». وقوّاه ابنُ عطية (٥/ ٦١)، فقال: «وقوله: {وكانوا فيه من الزاهدين} وصفٌ يترتب في وُرّاد الماء، أي: كانوا لا يعرفون قَدْرَه، فهُم لذلك قليلٌ اغتباطهم به، لكنَّه أرْتَبُ في إخوة يوسف؛ إذ حقيقة الزهد في الشيء: إخراج حبِّه مِن القلب، ورفضه من اليد. وهذه كانت حالُ إخوة يوسف في يوسف، وأمّا الوُرّاد فتَمَسُّكهم به وتَجْرُهم يُمانِع زهدَهم، إلا على تَجَوُّز».