وذكر ابنُ عطية (٥/ ٦٨) أنّه لم يَصِحَّ كونُ يوسف نبيًّا في ذلك الوقت، وبناءً عليه رَجَّح أنّ يوسف - عليه السلام - هَمَّ بمواقعة امرأة العزيز، فقال: «والذي أقول في هذه الآية: إنّ كون يوسف نبيًّا في وقت هذه النازلة لم يَصِحَّ، ولا تظاهرت به رواية، وإذا كان ذلك فهو مؤمن قد أُوتِي حكمًا وعلمًا، ويجوز عليه الهَمُّ الذي هو إرادة الشيء دون مواقعته، وأن يستصحب الخاطرَ الرديءَ على ما في ذلك مِن الخطيئة». ثم بيّن مستندًا إلى دلالة العقل أنّ يوسف لو كان نبيًّا حينئذ فلا يجوز عليه إلا الهمُّ الذي هو الخاطر الغير مستصحب للعزم ولا للفعل، فقال: «وإن فرضناه نبيًّا في ذلك الوقت فلا يجوز عليه عندي إلا الهمُّ الذي هو الخاطر، ولا يصح عليه شيء مما ذكر مِن حل تكة ونحو ذلك؛ لأنّ العصمة مع النبوة، وما روي من أنّه قيل له: تكون في ديوان الأنبياء وتفعل فعل السفهاء. فإنّما معناه: العِدَة بالنبوة فيما بعد. والهمُّ بالشيء مرتبتان: فالواحدة الأولى تجوز عليه مع النبوة، والثانية الكبرى لا تقع إلا مِن غير نبي؛ لأن استصحاب خاطر المعصية والتلذذ به معصية تكتب، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ الله تجاوز لِأُمَّتي ما حدَّثت به نفوسَها ما لم تنطِق به أو تعمل». معناه: من الخواطر، وأما استصحاب الخاطر فمحال أن يكون مباحًا». ورجّح ابنُ تيمية (٤/ ٣٤ - ٣٥) أنّ همَّ يوسف إنّما كان همَّ خَطَرات لا هم إصرار، وهو غير مؤاخذ به، واستدل على ذلك بالسياق في مواضع: الأول: «دلالة الآية، حيث قال تعالى: {لولا أن رءا برهان ربه} فصرف الله به ما كان هَمَّ به وكتب له حسنة كاملة، ولم يكتب عليه خطيئة، إذ فعل خيرًا ولم يفعل سيئة. الثاني: أنّ الله لم يذكر عن يوسف توبة في قصة امرأة العزيز، وفي هذا دليلٌ على أنّ يوسف لم يُذنِب أصلًا في تلك القصة. الثالث: أنّه تعالى قال عن نبيه يوسف: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين}، فأخبر أنّه صرف عنه السوء والفحشاء، وهذا يدل على أنه لم يصدر منه سوء ولا فحشاء». وبنحوه قال ابنُ القيم (٢/ ٦٣). وانتقد ابنُ تيمية مستندًا إلى عدم وروده في السنة ما ورد في آثار السلف أنّ يوسف - عليه السلام - همَّ بامرأة العزيز همَّ مواقعةٍ وعزم، فقال: «وأما ما يُنقَل مِن أنّه حلَّ سراويله، وجلس مجلس الرجل من المرأة، وأنّه رأى صورة يعقوب عاضًّا على يده، وأمثال ذلك، فكلُّه مما لم يخبر الله به ولا رسوله، وما لم يكن كذلك فإنما هو مأخوذ عن اليهود الذين هم من أعظم الناس كذبًا على الأنبياء وقدحًا فيهم، وكل مَن نقله من المسلمين فعنهم نقله، لم ينقل من ذلك أحد عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - حرفًا واحدًا». وزاد ابنُ جرير وابنُ عطية في معنى همِّ يوسف عدة أقوال، أحدها: أنّ يوسف همَّ بضربها. الثاني: أنّ المعنى: همَّ بها لولا أن رأى برهان ربه، أي: فلم يهم بها. الثالث: أن همَّ يوسف كان بالخطرات التي لا يقدر على التحفظ منها بشر. وقد انتقد ابنُ جرير (١٣/ ٨٦) مستندًا إلى اللغةِ، وإجماعِ أهل التأويل القولين الأولين، فقال: «ويفسد هذين القولين أنّ العرب لا تُقَدِّم جواب «لولا» قبلها، لا تقول: لقد قمت لولا زيد، وهي تريد: لولا زيد لقد قمت، هذا مع خلافهما جميع أهل العلم بتأويل القرآن الذين عنهم يؤخذ تأويله». وبنحوه قال ابنُ كثير (٨/ ٣٠).