ووجَّه ابنُ عطية (٥/ ١٧٩) القول الأول بقوله: «فيكون هذا المعنى يجري مع قوله عليه الصلاة والسلام: «بُعِثْتُ إلى الأحمر والأسود». و {هادٍ} -على هذا في هذه الآية-: داعٍ إلى طريق الهدى». ووجَّه القول الثاني بقوله: «و {هادٍ} على هذا معناه: مخترع للرشاد». ثم علَّق عليه بقوله: «والألفاظ تطلق بهذا المعنى، ويعرف أنّ الله تعالى هو الهادي من غير هذا الموضع». وعلَّق على القول الثالث بقوله: «وهذا يشبه غرض الآية». ووجَّه القول الرابع بقوله: «والذي يشبه -إن صحَّ هذا- أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - إنّما جعل عليًّا? مثالًا مِن علماء الأمة وهداتها إلى الدين، كأنه قال: يا عليّ، أنت وصنفك. فيدخل في هذا أبو بكر، وعمر، وعثمان، وسائر علماء الصحابة -عليهم رضوان الله أجمعين-، ثم كذلك من كل عصر، فيكون المعنى على هذا: إنما أنت -يا محمد- منذر، ولكلّ قوم في القديم والحديث دعاة وهداة إلى الخير». وقد دمج ابنُ تيمية القولين الأول والثالث، وساق الآثار الواردة في كل منهما مساقًا واحدًا، بخلاف ما فعله ابنُ جرير فقد مايز بينهما. وبيَّن ابنُ جرير (١٣/ ٤٤٣) أن معنى: {ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ} أي: «ولكلِّ قومٍ إمامٌ يَأتمُّون به، وهادٍ يتقدمهم، فيهديهم إما إلى خيرٍ، وإما إلى شرٍّ». ثم رجَّح جواز تلك الأقوال دون القطع بقولٍ منها لدلالة اللغة، وعدم دليل التخصيص، فقال: «وقد بيَّنْتُ معنى الهداية، وأنه الإمام المتَّبعُ الذي يَقْدُمُ القوم، فإذ كان ذلك كذلك فجائزٌ أن يكون ذلك هو الله الذي يهدي خلْقَه، ويتَّبِعُ خلْقُه هداه، ويَأتمُّون بأمره ونهيه، وجائزٌ أن يكون نبيَّ الله الذي تَأْتَمُّ به أمّته، وجائزٌ أن يكون إمامًا مِن الأئمة يؤتمُّ به، ويَتَّبِعُ منهاجَه وطريقتَه أصحابُه، وجائزٌ أن يكون داعيًا من الدعاة إلى خيرٍ أو شرٍّ. وإذ كان ذلك كذلك فلا قول أولى في ذلك بالصواب مِن أن يقال كما قال -جلَّ ثناؤه-: إن محمدًا هو المنذر من أُرسِل إليه بالإنذار، وإن لكلِّ قومٍ هاديًا يهديهم، فيَتَّبعونه ويأتمُّون به». ورجَّح ابنُ عطية (٥/ ١٨٠) القول الأول، وهو قول ابن عباس من طريق عكرمة، وأبي الضحى من طريق منصور، وعكرمة من طريق السدي، وقتادة، فقال: «والقول الأول أرجح ما تؤول في هذه الآية». ولم يذكر مستندًا. ورجَّح ابنُ تيمية (٤/ ٨٢، ٨٣) القول الثالث مستندًا إلى دلالة القرآن، فقال: «والصحيح: أنّ معناها: إنما أنت نذير كما أرسل من قبلك نذير، ولكل أمة نذير يهديهم، أي: يدعوهم، كما في قوله: {وإن مِّنْ أُمَّةٍ إلا خَلا فِيها نَذِير} [فاطر: ٢٤]، وهذا قول جماعة من المفسرين، مثل: قتادة، وعكرمة، وأبي الضحى، وعبد الرحمن بن زيد ... ». وانتقد مستندًا إلى دلالة اللغة القولَ أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نذيرٌ لكلِّ قوم، وكذا القول أنّه الله، وكذا القول أنه علي?، فقال: «قيل معناه: {ولكل قوم هاد} وهو الله تعالى، وهو قول ضعيف. وكذلك قول مَن قال: أنت نذير وهاد لكل قوم، قول ضعيف ... وكذا تفسيره بأنه عليّ قول باطل؛ لأنه قال: {ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ}، وهذا يقتضي أن يكون هادي هؤلاء غير هادي هؤلاء، فيتعدد الهداة، فكيف يُجعَل عليٌّ هاديًا لكلِّ قوم مِن الأولين والآخرين؟!». وذكر «أن قوله: {ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ} نكرة في سياق الإثبات، وهذا لا يدل على معيَّن، فدعوى دلالة القرآن على عليٍّ باطل». ثم بيَّن أن «كل» في قوله: {ولكلِّ قومٍ} «صيغة عموم، ولو أُريد أنّ هاديًا واحدًا للجميع لقيل: لجميع الناس هاد، لا يقال: {ولكل قوم}، فإنّ هؤلاء القوم غير هؤلاء القوم، وهو لم يقل: لجميع القوم، ولا يقال ذلك، بل أضاف كلًّا إلى نكرة، لم يضفه إلى معرفة. كما في قولك: كل الناس يعلم أنّ هنا قومًا وقومًا متعددين، وأن كلَّ قوم لهم هادٍ ليس هو هادي الآخرين. وهذا يبطل قول من يقول: إنّ الهادي هو الله تعالى، ودلالته على بطلان قول مَن يقول: هو علي. أظهر».