ورجَّح ابنُ جرير (١٣/ ٤٦١ - ٤٦٢) مستندًا إلى اللغة، وإلى دلالة السياق أن «الهاء في قوله: {لَهُ مُعَقِّباتٌ} مِن ذِكْر» مَن «التي في قوله: {ومَن هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ}، وأنّ المعقِّبات من بين يديه ومِن خلفه، هي حَرَسُه وجَلاوِزَتُه». وعلَّل ذلك بقوله: «وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب لأنّ قوله: {لَهُ مُعَقِّباتٌ} أقرب إلى قوله: {ومَن هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} منه إلى: {عالِمُ الغَيْبِ}، فهي لقربها منه أولى بأن تكون من ذِكْرِه، وأن يكون المعنيُّ بذلك هذا، مع دلالة قول الله: {وإذا أرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ} على أنّهم المعنيُّون بذلك، وذلك أنّه -جلَّ ثناؤه- ذَكَر قومًا أهل معصيةٍ له وأهل ريبة، يستخفون بالليل ويظهرون بالنهار، ويمتنعون عند أنفسهم بحرس يحرسهم، ومَنَعَةٍ تمنعهم من أهل طاعته، أن يحولوا بينهم وبين ما يأتون من معصية الله، ثم أخبر أنّ الله -تعالى ذِكْره- إذا أراد بهم سوءًا لم ينفعهم حرسهم، ولا يدفع عنهم حفظهم». وذكر ابنُ عطية (٥/ ١٨٤ - ١٨٥) أنه على القول بعود الضمير على اسم الله تعالى المتقدم ذكره تكون «المعقِّبات»: الملائكة الحفظة على العباد أعمالهم، والحفظة لهم أيضًا. وعلى القول بعود الضمير على المذكور في قوله: {ومَن جَهَرَ بِهِ ومَن} وكذا باقي الضمائر التي في الآية، تكون «المعقِّبات»: حرس الرجل وجلاوزته الذين يحفظونه، والآية على هذا في الرؤساء الكافرين. وذكر ابنُ عطية قولًا رابعًا في عود الضمير «في {لَهُ} للعبد المؤمن، على معنى: جعل الله له». وبيَّن أن هذا القول إنّما يصِحُّ على القول بكون «المعقبات» هي الملائكة، ثم رجَّحه مستندًا إلى الدلالة العقلية قائلًا: «وهذا التأويل عندي أقوى؛ لأنّ غرض الآية إنّما هو التنبيه على قدرة الله تعالى، فذكر استواء مَن هو مُستَخْف ومَن هو سارِبٌ وأنّ له معَقِّبات مِن الله تحفظه في كل حال، ثم ذكر أن الله لا يُغيِّر هذه الحالة من الحفظ للعبد حتى يُغيِّر ما بنفسه».