للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قرآنك. فجعل يُجادله ويَسْتَبْطِئُه، حتى قال له: ما لك حُشِمْتَ؟ قال: وضَعْتُ يدي على قائم السيف، فيَبِست، فما قدرتُ على أن أُحْلِيَ، ولا أُمِرَّ (١)، ولا أحرِّكَها. فخرجا، فلمّا كانا بالحرَّة سمع بذلك سعدُ بنُ معاذٍ وأُسَيْدُ بن حُضَيرٍ، فخرجا إليه على كلِّ واحد منهما لَأْمَتُه، ورُمْحُه بيده، وهو مُتَقَلِّدٌ سيفَه، فقالا لعامر بن الطفيل: يا أعور الخبيث (٢)، أنت الذي تشترط على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! لولا أنّك في أمانٍ مِن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما رِمْتَ (٣) المنزل حتى نضرب عنقك. فقال: مَن هذا؟ قالوا: أُسَيْدُ بن حُضَيرٍ. قال: لو كان أبوه حيًّا لم يفعل بي هذا. ثم قال عامرٌ لأَرْبَدَ: اخرجْ أنت -يا أرْبَدُ- إلى ناحيةِ عَدَنَةَ (٤)، وأخرُجُ إلى نجدٍ، فنجمعُ الرجالَ، فنلتقي عليه. فخرج أرْبَدُ حتى إذا كان بالرَّقَمِ بعث الله سحابة من الصَّيْفِ فيها صاعقةٌ فأحرقتْه، وخرج عامرٌ حتى إذا كان بوادي الجَرِيب أرسل الله عليه الطاعونَ، فجعل يصيحُ: يا آل عامرٍ، أغُدَّةٌ كغُدَّة البعير تقتُلني، وموتٌ أيضًا في بيت سلولية؟! وهي امرأةٌ مِن قيسٍ، فذلك قوله: {سواءٌ منكم مَّن أسرَّ القولَ ومن جهرَ به} إلى قوله: {له معقباتٌ من بين يديه ومن خلفِهِ يحفظونهُ من أمرِ الله}. هذا مُقَدَّمٌ ومُؤَخرٌ؛ لِرَسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك المُعَقِّباتُ مِن أمر الله، وقال لهذين: {إن الله لا يغيرُ ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم} حتى بلغ: {وما دُعاءُ الكافرينَ إلا في ضلالٍ}. وقال لبيد في أخيه أرْبَدَ وهو يَبكيه:

أخشى على أرْبَدَ الحُتُوفَ ولا ... أرهبُ نَوْءَ السِّماكِ والأَسَد

فجَّعني الرعدُ والصواعقُ بالـ ... ـفارس يوم الكريهة النَّجِدِ (٥) [٣٤٩٥]. (٨/ ٣٩١)


[٣٤٩٥] انتقد ابنُ جرير (١٣/ ٤٧٠) قول ابن زيد مستندًا إلى مخالفة أقوال السلف، والسياق، فقال: «وهذا القول الذي قاله ابن زيد في تأويل هذه الآية قولٌ بعيدٌ من تأويل الآية، مع خلافه أقوال مَن ذكرنا قوله مِن أهل التأويل، وذلك أنه جعل الهاء في قوله: {لَهُ مُعَقِّباتٌ} مِن ذِكْر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يَجْرِ له في الآية التي قبلها ولا في التي قبل الأخرى ذِكْرٌ». ثم التمس له وجْهًا يمكن أن يُحمَل عليه، فقال: «إلا أن يكون أراد أن يردَّها على قوله: {إنَّما أنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ} {لَهُ مُعَقِّباتٌ}». غير أنه انتقده قائلًا: «فإن كان أراد ذلك فذلك بعيدٌ؛ لِما بينهما من الآيات بغير ذِكْر الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإذا كان كذلك، فكونها عائدة على» مَن «التي في قوله: {ومَن هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} أقرب؛ لأنه قبلها، والخبر بعدها عنه».
ووافقه ابنُ عطية (٥/ ١٨٥)، فقال: «وهذه الآيةُ وإن كانت ألفاظُها تنطبق على معنى القِصَّة فيُضعِف القولَ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتقدم له ذِكْر فيعود الضمير في {لَهُ} عليه».

<<  <  ج: ص:  >  >>