[١٥١] اختلف أهل التأويل في الأسماء التي عَلَّمها آدمَ ثم عَرضها على الملائكة. ورَجَّحَ ابنُ جرير (١/ ٥١٨ - ٥١٩ بتصرف) أنها أسماءُ مَن يعقِل؛ وهم ذرِّيَّته، والملائكة، دون أسماء سائر أجناس الخلق، مُسْتَدِلًّا بلغةِ العربِ؛ وذلك أنّ الله -جلّ ثناؤه- كَنّى عن الأسماء بالهاء والميم، فقال: {ثمّ عرَضهم على الملائكة}، «ولا تكادُ العرب تُكَنِّي بالهاء والميم إلا عن أسماء بني آدم والملائكة، وأمّا إذا كانت عن أسماء البهائم وسائر الخلق سِوى من وصفناها فإنّها تكني عنها بالهاء والألف، أو بالهاء والنون، فقالت: عَرَضَهُنَّ، أو عَرَضَها، وربما كَنَّتْ عنها إذا كان كذلك بالهاء والميم، كما قال -جلَّ ثناؤه-: {واللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دابَّةٍ مِن ماءٍ فَمِنهُمْ مَن يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ ومِنهُمْ مَن يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ ومِنهُمْ مَن يَمْشِي عَلى أرْبَعٍ} [النور: ٤٥]، فكَنّى عنها بالهاء والميم، وهي أصناف مختلفة، فيها الآدمي وغيره. وذلك، وإن كان جائزًا، فإنّ الغالب المستفيض في كلام العرب ما وصفنا». وانتَقَد ابنُ كثير (١/ ٣٤٧) ترجيحَ ابن جرير، واستنادَه إلى كون الفعل {عرضهم} عبارة عما يعقل، فقال: «وهذا الذي رَجَّح به ليس بلازم؛ فإنه لا ينفي أن يُدْخِل معهم غيرهم، ويُعَبِّر عن الجميع بصيغة مَن يعقل للتغليب، كما قال: {واللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دابَّةٍ مِن ماءٍ فَمِنهُمْ مَن يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ ومِنهُمْ مَن يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ ومِنهُمْ مَن يَمْشِي عَلى أرْبَعٍ} [النور: ٤٥]». ورَجَّحَ ابنُ تيمية (١/ ١٩٢ - ١٩٣)، وابنُ كثير (١/ ٣٤٨ - ٣٤٩) أنّ الله علَّمه أسماء كل شيء؛ مَن يعقِل، ومَن لا يعقِل، واسْتَدَلّا بما ثبت في الصحيحين من حديث الشفاعة، وفيه قول ذرية آدم لآدم - عليه السلام -: «وعلَّمك أسماء كل شيء». وزاد ابنُ تيمية استدلالًا بظاهرِ اللفظ، فقال: «وأيضا قوله: {الأسماء كلها} لفظٌ عامٌّ مُؤَكَّد؛ فلا يجوز تخصيصه بالدَّعْوى، وقوله: {ثم عرضهم على الملائكة} لأنه اجتمع مَن يعقل ومَن لا يعقل، فغَلَّب من يَعْقِل، كما قال: {فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع}». ونقل ابن عطية (١/ ١٧٠ - ١٧١) أقوالًا أخرى في هذه المسألة، فقال: «وحكى النقاش عن ابن عباس أنه تعالى علمه كلمة واحدة عرف منها جميع الأسماء. وقال آخرون: علمه أسماء الأجناس، كالجبال والخيل والأودية ونحو ذلك، دون أن يعين ما سمته ذريته منها. وقال ابن قتيبة: علمه أسماء ما خلق في الأرض. وقال قوم: علمه الأسماء بلغة واحدة، ثم وقع الاصطلاح من ذريته فيما سواها. وقال بعضهم: بل علمه الأسماء لكل لغة تكلمت بها ذريته. وقد غلا قوم في هذا المعنى حتى حكى ابن جني عن أبي علي الفارسي أنه قال: علم الله تعالى آدم كل شيء، حتى أنه كان يحسن من النحو مثل ما أحسن سيبويه، ونحو هذا من القول الذي هو بيِّن الخطأ من جهات. وقال أكثر العلماء: علَّمه تعالى منافع كل شيء ولما يصلح. وقال قوم: عرض عليه الأشخاص عند التعليم. وقال قوم: بل وصفها له دون عرض أشخاص». ثم علَّقَ عليها بقوله: «وهذه كلها احتمالاتٌ قال الناس بها».