ورجَّح ابنُ جرير (١٣/ ٧٢٣ - ٧٢٤) القراءة الأولى، وانتقد القراءة الثانية مستندًا إلى الدلالة العقلية، وإجماع الحجة من القرأة على القراءة الأولى، وعلَّل ذلك بقوله: «لأنّ اللام الأولى إذا فُتِحَت فمعنى الكلام: وقد كان مكرُهم تزولُ منه الجبال، ولو كانت زالت لم تكن ثابتة، وفي ثبوتها على حالتها ما يُبِينُ عن أنها لم تَزُل، وأخرى: إجماع الحجَّة مِن القرأة على ذلك، وفي ذلك كفاية عن الاستشهاد على صحتها وفساد غيرها بغيره. فإن ظنَّ ظانٌّ أنّ ذلك ليس بإجماع مِن الحُجَّة، إذ كان من الصحابة والتابعين مَن قرأ ذلك كذلك، فإنّ الأمر بخلاف ما ظنَّ في ذلك، وذلك أنّ الذين قرءوا ذلك بفتح اللام الأولى ورفع الثانية قرءوا: (وإن كادَ مَكْرُهُمْ) بالدال، وهي إذا قُرِئَت كذلك، فالصحيح من القراءة مع: (وإن كادَ) فتح اللام الأولى ورفع الثانية على ما قرءوا، وغير جائزٍ عندنا القراءة كذلك؛ لأنّ مصاحفنا بخلاف ذلك، وإنما خط مصاحفنا: {وإن كانَ} بالنون لا بالدال، وإذ كانت كذلك فغير جائزٍ لأحدٍ تغيير رسم مصاحف المسلمين، وإذا لم يَجُزْ ذلك لم يكن الصحاح من القراءة إلا ما عليه قرأة الأمصار، دون مَن شذَّ بقراءته عنهم». ورجَّح ابنُ جرير (١٣/ ٧٢٦) بناءً على القراءة الأولى أنّ المعنى: «وقد أشرك الذين ظلموا أنفسهم بربهم، وافتَرَوا عليه فِرْيَتهم عليه، وعند الله عِلْمُ شركهم به وافترائهم عليه، وهو مُعاقِبُهم على ذلك عقوبتهم التي هم أهلها، وما كان شِرْكهم وفريتهم على الله لتزولَ منه الجبال، بل ما ضرُّوا بذلك إلا أنفسهم، ولا عادت مَغَبَّةُ مكروهه إلا عليهم». واستشهد على ذلك بقولِ عليّ - رضي الله عنهما -. وعلَّق ابنُ كثير (٨/ ٢٣٢) على هذا المعنى بقوله: «ويشبه هذا إذًا قوله تعالى: {ولا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ ولَنْ تَبْلُغَ الجِبالَ طُولا} [الإسراء: ٣٧]». ووجَّه ابنُ عطية (٥/ ٢٦٢) القراءة الأولى بقوله: «وهذا على أن تكون {إن} نافية بمعنى: ما، ومعنى الآية: تحقير مكرهم، وأنه ما كان لتزول منه الشرائع والنبوات وأقدار الله بها التي هي كالجبال في ثبوتها وقوتها، وهذا تأويل الحسن وجماعة من المفسرين». ثم ذكر لها معنًى آخر، فقال: «وتحتمل عندي هذه القراءة أن تكون بمعنى: تعظيم مكرهم، أي: وإن كان شديدًا إنما يفعل لتذهب به عظام الأمور». ووجَّه القراءة الثانية بقوله: «وهذا على أن تكون {إن} مخففة من الثقيلة، ومعنى الآية: تعظيم مكرهم وشدته، أي: أنه مما يُشْقى به، ويزيل الجبال من مستقراتها بقوته، ولكن الله تعالى أبطله ونصر أولياءه، وهذا أشد في العبرة».