ونقل ابنُ القيم (٢/ ١٠٠ - ١٠١) قول أنس بن مالك، وقول الحسن، وابن جريج، وابن زيد، وزاد قولًا للربيع أنّ معنى: {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ} أي: الاستهزاء، ثم علَّق عليها بقوله: «وهذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد: التكذيب والاستهزاء والشرك، كل ذلك فعلهم حقيقة، وقد أخبر أنّه سبحانه هو الذي سلكه في قلوبهم». ثم استدرك عليها مستندًا إلى السياق قائلًا: «وعندي في هذه الأقوال شيء، فإنّ الظاهر أنّ الضمير في قوله: {لا يُؤْمِنُونَ بِهِ} هو الضمير في قوله: {سَلَكْناهُ} فلا يصِحُّ أن يكون المعنى: لا يؤمنون بالشِّرك والتكذيب والاستهزاء، فلا تصِحُّ تلك الأقوال إلا باختلاف مفسر الضميرين، والظاهر اتحادُّه، فالذين لا يؤمنون به هو الذي سلكه في قلوبهم وهو القرآن. فإن قيل: فما معنى سلكه إيّاه في قلوبهم وهم ينكرونه؟ قيل: سلكه في قلوبهم بهذه الحال، أي: سلكناه غير مؤمنين به، فدخل في قلوبهم مكذبًا به، كما دخل في قلوب المؤمنين مصدقًا به. وهذا مراد مَن قال: إنّ الذي سلكه في قلوبهم هو التكذيب والضلال، ولكن فسَّر الآية بالمعنى، فإنه إذا دخل في قلوبهم مكذبين به فقد دخل التكذيب والضلال في قلوبهم. فإن قيل: فما معنى: إدخاله في قلوبهم وهم لا يؤمنون به؟ قيل: لتقوم عليهم بذلك حجة الله، فدخل في قلوبهم، وعلموا أنّه حق وكذبوا به، فلم يدخل في قلوبهم دخول مصدق به، مؤمن به، مَرْضِيٌّ به، وتكذيبهم به بعد دخوله في قلوبهم أعظم كفرًا مِن تكذيبهم به قبل أن يدخل في قلوبهم، فإنّ المكذب بالحق بعد معرفته له شر مِن المكذب به ولم يعرفه. فتأمَّله فإنّه من فقه التفسير».