ورجَّح ابنُ جرير (١٤/ ٥٤ - ٥٥) مستندًا إلى دلالة السياق القول الأول، وهو قول ابن عباس من طريق قتادة، وقول عكرمة، وقتادة، وعلَّل ذلك بقوله: «لدلالة ما قبله من الكلام، وهو قوله: {وإنّا لَنَحْنُ نُحْيِي ونُمِيتُ ونَحْنُ الوارِثُونَ}، وما بعده، وهو قوله: {وإنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ} على أنّ ذلك كذلك، إذ كان بيْن هذين الخبرين، ولم يَجْرِ قبل ذلك مِن الكلام ما يدل على خلافه، ولا جاء بعده». ثم بيَّن جواز دخول القول السادس في معنى الآية، فقال: «وجائزٌ أن تكون نزلت في شأن المستقدمين في الصفِّ لشأن النساء والمستأخرين فيه لذلك، ثم يكون اللهُ - عز وجل - عمَّ بالمعنى المراد منه جميع الخلق، فقال -جلَّ ثناؤه- لهم: قد علمنا ما مضى من الخَلْق وأحصيناهم وما كانوا يعملون، ومَن هو حيٌّ منكم، ومَن هو حادثٌ بعدكم أيُّها الناس، وأعمالَ جميعكم، خيرَها وشرَّها، وأحصينا جميع ذلك، ونحن نَحْشُرُ جميعَهم، فنجازي كُلًّا بأعماله، إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًّا، فيكونُ ذلك تهديدًا ووعيدًا للمستأخرين في الصفوف لشأن النساء، ولكلِّ مَن تعدّى حدَّ الله وعَمِل بغير ما أذِن له به، ووعدًا لِمَن تقدَّم في الصفوف لسبب النساء، وسارع إلى محبة الله ورضوانه في أفعاله كلِّها». وذكر ابنُ عطية (٥/ ٢٨٥) أنّ معنى الآية: إخباره تعالى «بإحاطة علمه بمن تقدَّم مِن الأمم وبِمَن تأخَّر في الزمن، مِن لدن أُهبط آدم إلى الأرض إلى يوم القيامة، وأعلم أنه هو الحاشر لهم الجامع لعرض يوم القيامة على تباعدهم في الأقطار والأزمان، وأن حِكْمَته وعِلْمه يأتيان بهذا كلِّه على أتَمِّ غاياته التي قدرها وأرادها». ثم علَّق (٥/ ٢٨٦) بقوله: «فهذا سياق معنى الآية، وهو قول جمهور المفسرين». ثم ذكر القول الخامس، وهو قول الحسن من طريق قتادة، وانتقده مستندًا إلى السياق بقوله: «وإن كان اللفظ يتناول كلُّ مَن تقدَّم وتأخَّر على جميع وجوهه، فليس يطرد سياق معنى الآية إلا كما قدمناه». ثم انتقد القول السادس بدلالة السياق، وهو قول ابن عباس من طريق أبي الجوزاء، وقول مروان بن الحكم وما في معناه، فقال: «وما تقدَّم الآية مِن قوله: {ونَحْنُ الوارِثُونَ} وما تأخَّر من قوله: {وإنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ} يُضْعِف هذه التأويلات؛ لأنها تُذهِب إيصال المعنى».