ووجَّه ابنُ عطية (٥/ ٣١٦) القول الأول بقوله: «و {المَثانَي} على قول هؤلاء: القرآن كله، كما قال تعالى: {كِتابًا مُتَشابِهًا مَثانِيَ} [الزمر: ٢٣]، وسُمِّي بذلك لأنّ القصص والأخبار تُثَنّى فيه وتُرَدَّد». ووجَّه القول الثاني بقوله: «و {المَثانَي} على قول هؤلاء يحتمل أن تكون: القرآن، فـ {مِن} للتبعيض، وقالت فرقة: بل أراد الحمد نفسها، كما قال: {الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثانِ} [الحج: ٣٠] فـ {مِن} لبيان الجنس، وسميت بذلك لأنها تُثَنّى في كل ركعة. وقيل: سميت بذلك لأنها يُثْنى بها على الله -تبارك وتعالى- جوَّزه الزجاج». ثم انتقد ما جوّزه الزجاج قائلًا: «وفي هذا القول من جهة التَّصرُّف نظر». ورجَّح ابنُ جرير (١٤/ ١٢١) مستندًا إلى السنة القول الثاني، وعلَّل ذلك بقوله: «لصِحَّة الخبر بذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -». وذكر حديثي أبي هريرة، وأبي سعيد بن المعلى الوارِدَين أوّل الآثار في تفسير الآية، ومِن ثمَّ رجَّح (١٤/ ١٢٥) أنّ المراد بـ {المثاني}: القرآن كله، مستندًا إلى السياق، واللغة، والنظائر، فقال: «فإذ كان الصحيح مِن التأويل في ذلك ما قلنا للذي به استَشْهَدنا؛ فالواجب أن تكون المثاني مرادًا بها القرآن كلُّه، فيكون معنى الكلام: ولقد آتيناك سبعَ آياتٍ، مما يَثْنِي بعضُ آيِهِ بعضًا». ثم بيَّن أنه إذا «كان ذلك كذلك كانت المثاني: جمع مَثْناة، وتكون آيُ القرآن موصوفةً بذلك؛ لأن بعضها يَثْنِي بعضًا، وبعضها يتلو بعضًا بفصولٍ تفصل بينها، فيُعْرَف انقضاء الآية وابتداء التي تليها، كما وصفها به -تعالى ذِكْرُه- فقال: {اللَّهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ كِتابًا مُتَشابِهًا مَثانِيَ تَقْشَعِرُ مِنهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر: ٢٣]».، ثم ذكر أنه «قد يجوز أن يكون معناها كما قال ابن عباس والضحاك ومَن قال ذلك أنّ القرآن إنما قيل له: مثاني؛ لأنّ القصص والأخبار كُرِّرَت فيه مرةً بعد أخرى». وذكر ابنُ كثير (٨/ ٢٧٦) حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أمُّ القرآن هي السبع المثاني، والقرآن العظيم». ثم أشار إلى إمكان الجمع بين القولين الأول، والثاني، فقال: «فهذا نصٌّ في أنّ الفاتحة السبع المثاني والقرآن العظيم، ولكن لا ينافي وصف غيرها مِن السبع الطول بذلك، لِما فيها مِن هذه الصِّفة، كما لا ينافي وصف القرآن بكماله بذلك أيضًا، كما قال تعالى: {اللَّهُ نزلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ كِتابًا مُتَشابِهًا مَثانِيَ} [الزمر: ٢٣]، فهو مثاني مِن وجْه ومتشابه مِن وجْه، وهو القرآن العظيم أيضًا، كما أنّه -عليه الصلاة والسلام- لَمّا سُئِل عن المسجد الذي أُسِّسَ على التقوى، فأشار إلى مسجده. والآية نزلت في مسجد قباء، فلا تنافي، فإنّ ذِكْر الشيء لا ينفي ذكر ما عداه إذا اشتركا في تلك الصفة».