ووجَّه ابنُ جرير (١٤/ ١٣٦) القول الأول، وهو قول ابن عباس من طريق سعيد بن جبير، وابن أبي طلحة، وقول الضحاك وما في معناه بقوله: «فوجَّه قائلو هذه المقالة قوله: {عِضِينَ} إلى أن واحدها: عُضْوٌ، وأن عِضِينَ جمعُه، وأنّه مأخوذٌ مِن قولهم: عَضَّيتُ الشيءَ تَعْضِيَةً، إذا فرَّقتَه». واستشهد ببيتين من الشعر. ووجَّهه ابنُ عطية (٥/ ٣٢٠)، فقال: «ومن قال: جعلوه أعضاءً. فإنّما أراد: قسَّموه كما يقسم الجزور أعضاءً». ووجَّه ابنُ جرير (١٤/ ١٣٦) لفظة {عِضِينَ} على القول الثاني بقوله: «هي جمع عِضَةٍ، جُمِعَت عِضِين كما جُمِعَت البُرَةُ: بُرِين، والعِزَةُ: عِزِين، فإذا وُجِّه ذلك إلى هذا التأويل كان أصل الكلام: عِضَهَةً، ذهبت هاؤها الأصلية، كما نَقَصُوا الهاء من الشَّفَة، وأصلها: شَفَهَةٌ، ومن الشاة وأصلها: شاهةٌ، يدلُّ على أنّ ذلك الأصلَ تصغيرُهم الشَّفَةَ: شُفَيْهَةً، والشاة: شُوَيْهَةً، فيَرُدُّون الهاء التي تسقُطُ في غير حال التصغير إليها في حال التصغير، يقال منه: عَضَهْتُ الرجل أعْضَهُهُ عَضْهًا إذا بَهَتَّه وقذَفْتَه ببُهتانٍ». ثم رجَّح مستندًا إلى السياق، ودلالة واقع الحال «أن يقال: إن الله -تعالى ذِكْره- أمر نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يُعْلِم قومًا عَضَهُوا القرآن، أنّه لهم نذيرٌ مِن عقوبةٍ تَنزِل بهم بِعَضْهِهم إيّاه، مثل ما أنزَل بالمقتسمين، وكان عَضْهُهم إيّاه قَذْفَهُمُوه بالباطل، وقيلَهم: إنّه شعرٌ وسحرٌ، وما أشبه ذلك. وإنّما قلنا إنّ ذلك أولى التأويلات به لدلالة ما قبله من ابتداء السورة وما بعده، وذلك قوله: {إنّا كَفَيْناكَ المُسْتَهْزِئِينَ}، على صحة ما قلنا، وإنه إنما عَنى بقوله: {الَّذِينَ جَعَلُوا القُرْآنَ عِضِينَ} مشركي قومه، وإذ كان ذلك كذلك فمعلومٌ أنه لم يكن في مشركي قومه مَن يؤمن ببعض القرآن ويكفر ببعض، بل إنما كان قومه في أمره على أحد معنيين: إما مؤمنٌ بجميعه، وإما كافرٌ بجميعه، وإذ كان ذلك كذلك، فالصحيح من القول في معنى قوله: {الَّذِينَ جَعَلُوا القُرْآنَ عِضِينَ} قول الذين زعموا أنهم عَضَهُوه، فقال بعضهم: هو سحرٌ. وقال بعضهم: هو شعرٌ. وقال بعضهم: هو كهانةٌ. وما أشبه ذلك من القول، أو عَضَّوْه ففَرَّقوه، بنحو ذلك من القول، وإذا كان ذلك معناه، احتمل قوله: {عِضِينَ} أن يكون جمعَ: عِضَةٍ، واحتمل أن يكون جمع: عُضْوٍ».