للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الريحانة واحد وفي رأسها عشرون لونًا، لكل لون منها ريح سوى ريح صاحبه، ومعهم الحرير الأبيض فيه المسك الأَذْفَر، فيجلس ملك الموت عند رأسه، وتَحْتَوِشُهُ (١) الملائكة، ويضع كل ملَك منهم يده على عضو من أعضائه، ويبسط ذلك الحرير الأبيض والمسك الأذفر تحت ذقنه، ويفتح له باب إلى الجنة، فإن نفسه لَتَعَلَّلُ (٢) عند ذلك بطرف الجنة؛ مرة بأزواجها، ومرة بكسوتها، ومرة بثمارها، كما يعلل الصبيَّ أهلُه إذا بكى، وإن أزواجه لَيَبْتَهِشْنَ (٣) عند ذلك ابتهاشًا، وتَنزُو (٤) الروح نَزْوًا، ويقول ملك الموت: اخرجي أيتها الروح الطيبة إلى سدر مخضود، وطلح منضود، وظل ممدود، وماء مسكوب. وملَك الموت أشدُّ تلطُّفًا به من الوالدة بولدها، يعرف أن ذلك الروح حبيب إلى ربه، كريم على الله، فهو يلتمس بلطفه تلك الروح رضا الله عنه، فسلَّ روحه كما تُسَلُّ الشعرة من العجين، وإن روحه لتخرج والملائكة حوله يقولون: سلام عليكم، ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون. وذلك قوله: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم}. قال: {فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم} [الواقعة: ٨٩]. قال: روح من جهد الموت، وروح يؤتى به عند خروج نفسه، وجنة نعيم أمامه. فإذا قبض ملك الموت روحه يقول الروح للجسد: لقد كنت بي سريعًا إلى طاعة الله، بطيئًا عن معصيته، فهنيئًا لك اليوم؛ فقد نجوت وأنجيت. ويقول الجسد للروح مثل ذلك، وتبكي عليه بقاع الأرض التي كان يطيع الله عليها كل باب من السماء كان يصعد منه عمله وينزل منه رزقه أربعين ليلة، فإذا قبضت الملائكة روحه أقامت الخمسمائة ملك عند جسده، لا يقلبه بنو آدم لشِقٍّ إلا قلبته الملائكة? قبلهم، وعَلَتْه بأكفان قبل أكفانهم، وحنوط قبل حنوطهم، ويقوم من باب بيته إلى باب قبره صفّان من الملائكة يستقبلونه بالاستغفار، ويصيح إبليس عند ذلك صيحة تَتَصَدَّع منها بعض عظام جسده، ويقول لجنوده: الويل لكم؛ كيف خلص هذا العبد منكم؟ فيقولون: إنّ هذا كان معصومًا. فإذا صعد ملك الموت بروحه إلى السماء يستقبله جبريل في سبعين ألفًا من الملائكة، كلهم يأتيه من ربه، فإذا انتهى ملك الموت إلى العرش خرَّت الروح ساجدة لربها، فيقول الله لملك الموت: انطلق بروح عبدي فضعه


(١) يقال: احتوش القوم على فلان إذا جعلوه وسْطهم. النهاية (حوش).
(٢) تَعَلَّلَ بالأمر واعْتَلَّ: تشاغل. لسان العرب (علل).
(٣) البَهْش: الإسراع إلى المعروف بالفرح. لسان العرب (بهش).
(٤) قال ابن فارس: النون والزاء أصلٌ صحيح يدل على خِفة وقِلة. معجم مقاييس اللغة (نز).

<<  <  ج: ص:  >  >>