[٣٦٩٣] اختلف السلف في تفسير قوله: {وأنهم مفرطون} على أقوال: الأول: أنهم متروكون في النار. الثاني: أنهم معجلون إلى النار مقدمون إليها. الثالث: أنهم مبعدون في النار. وعلّق ابنُ جرير (١٤/ ٢٦٥) على القول الثاني، فقال: "وقال آخرون: معنى ذلك: معجلون إلى النار، مقدمون إليها. وذهبوا في ذلك إلى قول العرب: أفرطنا فلانًا في طلب الماء. إذا قدموه لإصلاح الدلاء والأرشية، وتسوية ما يحتاجون إليه عند ورودهم عليه، فهو مفرط، فأما المتقدم نفسه فهو فارط، يقال: قد فرط فلان أصحابه يفرطهم فرطًا وفروطًا: إذا تقدمهم، وجمع فارط فراط، ومنه قول القطامي: واستعجلونا وكانوا من صحابتنا ... كما تعجل فراط لورادومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنا فرطكم على الحوض». أي: متقدمكم إليه، وسابقكم حتى تردوه". وقد رجّح ابنُ جرير (١٤/ ٢٦٦) القول الأول، وانتقد القول الثاني مستندًا إلى دلالة العقل، واللغة، وعلل ذلك بقوله: «وذلك أن الإفراط الذي هو بمعنى التقديم إنما يقال فيمن قدم مقدمًا لإصلاح ما يقدم إليه إلى وقت ورود من قدمه عليه، وليس بمقدم من قدم إلى النار من أهلها لإصلاح شيء فيها لوارد يرد عليها فيها فيوافقه مصلحًا، وإنما تقدم من قدم إليها لعذاب يعجل له، فإذا كان معنى ذلك الإفراط الذي هو تأويل التعجيل ففسد أن يكون له وجه في الصحة؛ صح المعنى الآخر، وهو الإفراط الذي بمعنى التخليف والترك، وذلك أن يحكى عن العرب: ما أفرطت ورائي أحدًا، أي: ما خلفته، وما فرطته، أي: لم أخلفه». وذكر ابنُ كثير (٨/ ٣٢٢) الأول والثاني، وعلّق عليهما بقوله: «ولا منافاة؛ لأنهم يعجل بهم يوم القيامة إلى النار، وينسون فيها، أي: يخلدون».