وقد رجّح ابنُ جرير (١٤/ ٢٩١) القول الثاني مستندًا إلى السياق، وعلل ذلك بقوله: «لأن قوله: {فيه} في سياق الخبر عن العسل، فأن تكون الهاء من ذكر العسل إذ كانت في سياق الخبر عنه أولى من غيره». وكذا ابنُ كثير (٨/ ٣٢٦ - ٣٢٩) مستندًا إلى السنة، وذكر عدة أحاديث في كون العسل شفاء. وبنحوهما ابنُ القيم (٢/ ١١٣ بتصرف)، حيث قال: «الصحيح: رجوع الضمير إلى الشراب، وهو قول ابن مسعود، وابن عباس، والحسن، وقتادة، والأكثرين، فإنه هو المذكور، والكلام سيق لأجله، ولا ذكر للقرآن في الآية، وهذا الحديث الصحيح وهو قوله: «صدق الله» كالصريح فيه». وذكر ابنُ كثير (٨/ ٣٢٦) القول الأول عن مجاهد، ثم انتقده مستندًا للسياق قائلًا: «وهذا قول صحيح في نفسه، ولكن ليس هو الظاهر هاهنا من سياق الآية؛ فإن الآية إنما ذكر فيها العسل، ولم يتابع مجاهد على قوله هاهنا، وإنما الذي قاله ذكروه في قوله تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} الآية [الإسراء: ٨٢]، وقوله تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} [يونس: ٥٧]». وذكر ابنُ عطية (٥/ ٣٨١) قولًا ثالثًا، وانتقده مستندًا لدلالة العقل، فقال: «وذهب قوم من أهل الجهالة إلى أن هذه الآية إنما يراد بها: أهل البيت ورجال بني هاشم، وأنهم النحل، وأن الشراب: القرآن والحكمة، وقد ذكر بعضهم هذا في مجلس المنصور أبي جعفر العباسي: فقال له رجل ممن حضر: جعل الله طعامك وشرابك مما يخرج من بطون بني هاشم. فأضحك الحاضرين، وبهت الآخر، وظهرت سخافة قوله».