للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال: هو نبي (١). (٩/ ٩٥)

٤١٨٣٩ - قال محمد بن السائب الكلبي: هو أنّه لما ذكر لهم هذه النعم قالوا: نَعَمْ، هذه كلها من الله، ولكنها بشفاعة آلهتنا (٢). (ز)

٤١٨٤٠ - قال مقاتل بن سليمان: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ} التي ذكَّرهم في هؤلاء الآيات مِن قوله - عز وجل -: {جَعَلَ لَكُمْ مِن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} إلى أن قال: {لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ}. فتعرفون هذه النِّعَم أنها كلها من الله - عز وجل -. وذلك أنّ كفار مكة كانوا إذا سُئِلوا: من أعطاكم هذا الخير؟ قالوا: الله أعطانا. فإن دُعُوا إلى التوحيد للذي أعطاهم قالوا: إنما ورثناه عن آبائنا. فذلك قوله - عز وجل -: {ثُمَّ يُنْكِرُونَها} (٣). (ز)

٤١٨٤١ - قال يحيى بن سلّام: قوله: {يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها}، يعرفون ويُقِرُّون أن الله الذي خلقهم، وخلق السموات والأرض، وأنه هو الرزاق، ثم ينكرونها بتكذيبهم (٤) [٣٧٢٠]. (ز)


[٣٧٢٠] اختُلِف في تأويل قوله تعالى: {يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها} على أربعة أقوال: الأول: أن النعمة: ما ذُكِرَ في هذه السورة، وإنكارها: قولهم: ورثناها عن آبائنا. وهذا قول مجاهد. والثاني: أن النعمة: ما ذُكِرَ في هذه السورة، وإنكارها: قولهم: لولا فلان ما كان كذا وكذا، ولولا فلان ما أصبت كذا وكذا. وهذا قول عون بن عبد الله. والثالث: أن النعمة: ما ذُكِرَ في هذه السورة، وإنكارها: قولهم: هذه بشفاعة آلهتنا. وهذا قول الكلبي، وغيره. والرابع: أن النعمة: نبوَّة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وإنكارها: جحد نبوّته وتكذيبه. وهذا قول السّدّيّ.
ورجَّحَ ابنُ جرير (١٤/ ٣٢٦ - ٣٢٧) القولَ الرابعَ استنادًا إلى السياق، وقال مُعَلِّلًا اختياره: «وذلك أنّ هذه الآية بين آيتين كلتاهما خبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعما بُعِث به، فأولى ما بينهما أن يكون في معنى ما قبله وما بعده؛ إذ لم يكن معنى يدل على انصرافه عما قبله وعما بعده، فالذي قبل هذه الآية قوله: {فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها} وما بعده: {ويوم نبعث من كل أمة شهيدا} وهو رسولها. فإذ كان ذلك كذلك فمعنى الآية: يعرف هؤلاء المشركون بالله نعمة الله عليهم يا محمد بك، ثم ينكرونك ويجحدون نبوتك».
وذَهَبَ إلى ذلك أيضًا ابنُ القيم (٢/ ١١٨) مستندًا إلى دلالة عقلية، فقال: «هذا أقرب إلى حقيقة الإنكار؛ فإنه إنكار لما هو أجَلُّ النعم أن تكون نعمة».
ثم علّق على الأقوال الثلاثة الأولى، واسْتَدْرَكَ عليها (٢/ ١١٨ - ١١٩) بقوله: «أما على القول الأول والثاني والثالث فإنهم لما أضافوا النعمة إلى غير الله فقد أنكروا نعمة الله بنسبتها إلى غيره؛ فإن الذي قال: إنما كان هذا لآبائنا ورثناه كابرًا عن كابر. جاحدًا لنعمة الله عليه، غير معترف بها، وهو كالأبرص والأقرع اللذين ذكَّرهما الملَك بنعم الله عليهما، فأنكرا، وقالا: إنما ورثنا هذا كابرًا عن كابر. فقال: إن كنتما كاذبين فصيركما الله إلى ما كنتما. وكونها موروثة عن الآباء أبلغ في إنعام الله عليهم؛ إذ أنعم بها على آباءهم، ثم ورثهم إياها، فتمتعوا هم وآباؤهم بنعمه. وأما قول الآخرين: لولا فلان لما كان كذا. فيتضمن قطع إضافة النعمة إلى مَن لولاه لم تكن، وإضافتها إلى من لا يملك لنفسه ولا لغيره ضرًّا ولا نفعًا، وغايته أن تكون جزء من أجزاء السبب أجرى الله تعالى نعمته على يده، والسبب لا يستقل بالإيجاد، وجعله سببًا هو من نعم الله عليه، وهو المنعم بتلك النعمة، وهو المنعم بما جعله من أسبابها، فالسبب والمسبب من إنعامه، وهو سبحانه قد ينعم بذلك السبب، وقد ينعم بدونه؛ فلا يكون له أثر، وقد يسلبه تسبيبته، وقد يجعل لها معارضًا يقاومها، وقد يرتب على السبب ضد مقتضاه، فهو وحده المنعم على الحقيقة. وأما قول القائل: بشفاعة آلهتنا. فتضمن الشرك مع إضافة النعمة إلى غير وليها، فالآلهة التي تعبد من دون الله أحقر وأذل من أن تشفع عند الله، وهي محضرة في الهوان والعذاب مع عابديها، وأقرب الخلق إلى الله وأحبهم إليه لا يشفع عنده إلا من بعد إذنه لمن ارتضاه، فالشفاعة بإذنه من نعمه، فهو المنعم بالشفاعة، وهو المنعم بقبولها، وهو المنعم بتأهيل المشفوع له؛ إذ ليس كل أحد أهلًا أن يشفع له، فمن المنعم على الحقيقة سواه؟! قال تعالى: {وما بِكُمْ مِن نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}، فالعبد لا خروج له عن نعمته وفضله ومنته وإحسانه طرفة عين، لا في الدنيا، ولا في الآخرة».

<<  <  ج: ص:  >  >>