للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فبعثهم جواسيس، فلما فَصَلوا (١) إذا بُختُنَصَّرَ قد أتى بخُرجَيه (٢) على بغلة، قال: أين تريد؟ قال: معهم. قال: أفلا آذَنتَني فأبعثَك عليهم؟ قال: لا. حتى إذا وقَفوا بالأرض قال: تفرَّقوا. وسأل بُختُنَصَّرَ عن أفضل أهل البلد، فدُلَّ عليه، فألقى خُرْجَيْه في داره، وقال لصاحب المنزل: ألا تُخبِرُني عن أهل بلادك. قال: على الخبير سقطتَ، هم قومٌ فيهم كتاب فلا يُقيمونه، وأنبياء فلا يطيعونهم، وهم مُتَفَرِّقون. قال بُختُنَصَّرَ كالمتعجب منهم: كتاب لا يقيمونه، وأنبياء لا يطيعونهم، وهم متفرقون! فكتبهنَّ في ورقة، وألقاها في خُرجَيه، وقال: ارتحلوا. فأقبلوا حتى قدِموا على الفَرُّخان، فجعل يسأل كلَّ رجل منهم، فجعل الرجل يقول: أتينا بلاد كذا، ولها حصن كذا، ولها نهر كذا. قال: يا بُختَنَصَّرَ، ما تقول؟ قال: قَدِمنا أرضًا على قومٍ لهم كتابٌ لا يُقِيمونه، وأنبياء لا يطيعونهم، وهم متفرقون. فأمِن حينئذ، فندَب الناس، وبعث إليهم سبعين ألفًا، وأَمَّر عليهم بُختُنَصَّرَ، فساروا حتى إذا علَوا في الأرض أدركهم البريدُ أن الفَرُّخان قد مات، ولم يستخلف أحدًا. قال للناس: مكانكم. ثم أقبل على البريد حين قدِمَ على الناس، فقال: وكيف صنعتم؟ قالوا: كرهنا أن نقطع أمرًا دونك. قال: إن الناس قد بايعوني. فبايعوه، ثم استخلف عليهم، وكتب بينهم كتابًا، ثم انطلق بهم سريعًا حتى قدِم على أصحابه، فأراهم الكتاب، فبايعوه، وقالوا: ما بنا عنك رغبة. فساروا، فلمّا سمِع أهل بيت المقدس تفرقوا وطاروا تحت كل كوكب، فشعَّث ما هناك -أي: أفسد-، وقتل من قتل، وخرَّب بيت المقدس، واسْتَبى أبناء الأنبياء، فيهم دانيال، فسمع به صاحب الدنانير، فأتاه، فقال: هل تعرفني؟ قال: نعم. فأدنى مجلسَه، ولم يُشَفِّعه في شيء حتى إذا نزل بابل لا تُرَدُّ له راية، فكان كذلك ما شاء الله، ثم إنّه رأى رؤيا أفظعته، فأصبح قد نسيها، قال: عليَّ بالسحرة والكهنة. قال: أخبروني عن رؤيا رأيتها الليلة، واللهِ، لَتُخبِرُنِّي بها أو لأقتُلَنَّكم. قالوا: ما هي؟ قال: قد نسيتها. قالوا: ما عندنا من هذا علم، إلا أن ترسل إلى أبناء الأنبياء. فأرسل إلى أبناء الأنبياء، قال: أخبروني عن رؤيا رأيتها. قالوا: ما هي؟ قال: نسيتها. قالوا: غيب، ولا يعلم الغيب إلا الله. قال: واللهِ، لَتُخْبِرُنِّي بها أو لأَضرِبَنَّ أعناقَكم. قالوا: فدَعنا حتى نتوضَّأ ونُصلِّيَ وندعو الله. قال: فافعلوا. فانطلقوا، فأحسنوا الوضوء، فأتوا صعيدًا طيبًا،


(١) فصلوا: خرجوا. التاج (فصل).
(٢) الخرج: وعاء. اللسان (خرج).

<<  <  ج: ص:  >  >>